انتهى المؤتمر الدولي الذي نُظّم في الخارجية الهولندية أمس، لكن النقاش الذي شهده ما زال مستمراً: ما هو تأثير المحاكم الدولية في استقرار الدول المعنيّة؟ عشرات السياسيين والقانونيين أجمعوا على أهمية تحقيق العدالة شرط تحقيق السلام، أو العكس
لاهاي ــ عمر نشابة
“إن هدف المحكمة هو محاكمة مرتكبي جرائم ضمن اختصاصها من جهة، والمساهمة في بناء السلام والمصالحة من جهة ثانية” قال أمس المقرّر الجديد في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كلام دايفد تولبرت جاء خلال مؤتمر “مكافحة الإفلات من العقاب في إطار بناء السلام” الذي عُقد اخيرا في وزارة الخارجية الهولندية في لاهاي، حيث مقرّ المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين.
نظّمت الوزارة المؤتمر بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وحضره وزيرا الخارجية والتنمية والتعاون في الحكومة الهولندية ماكسيم فيرهاغن وبرت كوندرز، والوزير الكيني جايمس اورينغو، والمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو. وتمحور النقاش حول البحث عن إجابات عن ثلاثة أسئلة مركزيّة: أولاً، كيف يمكن أن تسهم العدالة الانتقالية في عملية بناء السلام، وما هي مصادر التوتّر بين المسارين؟ ثانياً، كيف يمكن أن يسهم المجتمع الدولي في استراتيجيات بناء السلام، التي تعترف بحقوق الضحايا كاملةً؟ وثالثاً، كيف يمكن التوصل إلى توازن بين العدالة والسلام (الأمن والتنمية)؟
شرح باحثون معنى العدالة الانتقالية، وركّزوا على أهمية إصلاح الآليات القضائية المحليّة وتطويرها، وتطرّقوا إلى أهمية التعويضات والإصلاحات لضحايا الجرائم الكبرى. وعُرضت منافع اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر توقيع إعلان روما، وخصّصت جلسة لمناقشة المشاكل والصعوبات التي قد تخلّفها المحاكم الدولية الخاصة بعد انتهاء عملها. وتطرّق المؤتمرون إلى موضوع لجان الحقيقة والمصالحة وقضية تكاملها مع المحاكمات الدولية، فذكر أوكامبو أن تدخّل المحكمة الجنائية الدولية يجري على أساس تكامل دورها مع دور المحاكم المحلية في حال عجز تلك المحاكم أو عدم تحركها لمقاضاة مرتكبي جرائم خطيرة. وأُطلقت دعوة إلى اعتماد مقاربة ثلاثية، بحيث تترافق أعمال لجان الحقيقة والمصالحة مع الإجراءات القضائية المحلية والدولية. “إن القضية عبارة عن جريمة اغتيال فردية، وبالتالي فهي ليست من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية” قال أوكامبو، المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، رداً على سؤال عن سبب عدم اعتماد نظام المحكمة الجنائية للمحكمة الدولية الخاصّة بلبنان.
“ينبغي قلب التوازن لمصلحة الأجهزة القضائية المحلية” قال نائب رئيس المنظمة الدولية للعدالة الانتقالية، بول فان زيل، وتابع “كان بحثنا خلال هذا المؤتمر في نقص الإرادة السياسية المحلية لتحقيق العدالة، واستمرار الإفلات من العقاب مفيداً، ويدفعنا ذلك إلى التوصية بمضاعفة الدعم للمجتمع المدني في الدول التي تعاني نقص العدالة”.
وعُرض شريط وثائقي خلال المؤتمر ظهر فيه رئيس بعثة الولايات المتحدة السابق إلى الأمم المتحدة جون بولتون وهو يقول متوجّهاً إلى مجلس الشيوخ الأميركي: “نحن لا نطلب عدم التوقيع إعلان روما فحسب بل القيام بكلّ ما يمكن لإزالة وجود المحكمة الجنائية الدولية”.
يُذكر أن تولبرت لم يجب عن سؤال وجّهه إليه خلال المؤتمر الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر: “من المسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب منذ انطلاق التحقيق الدولي؟”، كما لم يجب عن سؤال آخر وجّهته زميلة صحافية عن تأثيرات مصادر التمويل الطوعي للمحكمة في مسار العدالة. ذكّر تولبرت بأنه تسلّم وظيفته منذ أيام، وأنه لم يطّلع بعد على تفاصيل المحكمة الخاصة بلبنان.


أوكامبو عن دارفور وغزّة

“لا أصدقاء ولا أعداء لدينا” قال المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو خلال المؤتمر. وشرح القاضي الأرجنتيني أن جامعة الدول العربية ليس لديها موقف ثابت من العدالة، إذ “إنها تريد غزّة (التحقيق في جرائم الجيش الإسرائيلي) وترفض دارفور (مذكّرة التوقيف التي كان قد أصدرها أوكامبو بحقّ الرئيس السوداني عمر البشير بعد الاشتباه في مسؤوليته عن جرائم فظيعة وقعت في إقليم دارفور السوداني)”. وذكّر أوكامبو بأنه معتاد مواجهة مرتكبي جرائم يشغلون مناصب رفيعة، إذ إنه كان المدعي العام الذي أصدر مذكّرات توقيف عام 1985 بحقّ ضباط في الجيش الأرجنتيني عملوا خلال حكم الـ“جونتا”