خالد صاغيةمن بين الردود على انعطافة وليد جنبلاط الأخيرة، تبدو المواقف الأكثر سذاجة هي تلك التي استدعت الجماهير، معتبرةً أنّ جنبلاط قد أخطأ، وأنّ جماهيره ستلفظه، وسيرى نتيجة أفعاله! وإن كان بعض المعترضين قد هدّد بـ«جماهير 14 آذار»، فإنّ آخرين لم يتوانوا عن التبشير بأنّ الجماهير الدرزيّة نفسها ستتخلّى عن البيك.
كأنّ أولئك المعترضين لم ينتبهوا إلى ما فعلته السنوات الأربع الماضية بهذه الجماهير. وكأنّهم لا يريدون أن يروا أنّ 14 آذار نفسها (بمؤازرة تامّة من 8 آذار) تمكّنت من تكريس «الجماهير» بيادق طائفيّة في خدمة زعيم الطائفة الذي يكفي أن يرفع يده حتّى تهبّ الجماهير، ويكفي أن يظهر على شاشة التلفزيون حتّى تبتهج الجماهير، وتبدأ بإطلاق النار فرحاً ونكاية.
طبعاً، لم يخترع فريقا الثامن والرابع عشر من آذار الطائفيّة. لكنّهما أخذاها إلى حدودها القصوى، إلى حدود إقفال النظام نفسه. إلا أنّ ضرورات «الثورة» تقتضي تكذيب الوقائع. فما جرى في يوم 14 آذار لم يكن ائتلافاً طائفياً عمل على إقصاء طائفة رابعة، بل كان ثورة وطنيّة من أجل السيادة والحرية والاستقلال. وما جرى في يوم الانتخابات النيابية لم يكن تنافساً في إقناع المسيحيّين بأي مِن الطائفتين الإسلاميتين عليهم أن يكرهوا أكثر، بل كان نقطة مفصلية اختار فيها اللبنانيون بين «ثقافة الحياة» و«ثقافة الموت».
فحين يكون الثوّار في صلب انشغالاتهم لتغيير التاريخ، يصعب إقناعهم بعكس ما توحي به شعاراتهم الثوريّة. ففي زمن قريب، كانت الجماهير نفسها قد بدأ بعضها يذبح البعض الآخر على الهويّة، ولم يرتدع البعض عن التمتّع بآخر تجلّيات الصراع الطبقي!
لكن مهلاً. قد يواجه جنبلاط فعلاً مشكلة مع الجماهير. إلا أنّه لا أحد سيتّهم جنبلاط بخيانة وطن أو بخيانة ثورة، بل بخيانة طائفة.
يُستحسَن بالأمانة العامّة للرابع عشر من آذار أن تحلّ نفسها طوعاً، بدلاً من التحوّل إلى لافتة تغطّي أبشع الممارسات الطائفيّة باسم انتظار الجماهير وباسم ثورة تفرّج عليها العالم كلّه بواسطة التلفزيون، وصفّق لها مجرمو الحرب في العراق، وتبرّع الجيش الإسرائيلي لحمايتها، فصفّق المجرمون أنفسهم مرّةً ثانية.