وائل عبد الفتاح«فتح» جدّدت نفسها. ربما من قبيل المبالغة والتشويق يمكن تسميتها مرحلة دحلان. هو رمز براغماتية مبتكرة. خليط بين رجل البيزنس ورجل الدولة... ولأن البيزنس الفلسطيني ملتبس، والدولة تنتمي فلسطينياً إلى الواقع الافتراضي، فهو ابن الغموض والواقعية الصادمة أحياناً إلى حد الفجاجة. يستطيع تحريك قوة نائمة في تركيبة «فتح». يحركها بنبرة عصابية تظهر ملل لغة الرئيس محمود عباس وفتورها. هو سليل حكماء ما بعد سنوات الثورة والنضال المفتوح عبر عواصم العالم من بيروت إلى ميونيخ مروراً بتونس وقبرص وعدن وطبعاً القاهرة.
دحلان محترف نسج علاقات مع أضداد. كلهم يتعاملون معه... وكلهم يخشونه ولا يمنحونه الأمان في الوقت نفسه... تُروى أساطير عن علاقاته مع أجهزة استخبارات متصارعة من الموساد إلى الاستخبارات المصرية... وفي الأساطير نفسها تتصارع هذه الجهات على أبوّته، من ياسر عرفات إلى الاستخبارات المصرية. وفي الوقت نفسه، هو رجل الاستخبارات الأميركية وناقل رسائل عرفات إلى الموساد.
تركيبة تشبه في تعقيدها تراجيديا الوضع الفلسطيني. ودحلان في قلبه، رجل فعّال وديناميكي... هو حامي «فتح» وأسدها المدافع عن كرامتها الضائعة في غزة. وهو رمز الخيانة السرية أيضاً... قائد وعميل، تلك صورته ومصدر فعاليته ومهاراته في تربيط التنظيم السائب.
البطل الملتبس سيقود التغيير في قلب «فتح» التي ستتفرغ تقريباً لاستعادة دورها في الخندق الفلسطيني. هو أيضاً مهندس الجسور الأكثر حيوية بين القاهرة ورام الله... القاهرة ملهمته، فيها يلتقي نصفيه: البيزنس والسياسة... ومنها يشحن طاقاته ويهندس حائط الدفاع ضد «حماس».
لا يستطيع دحلان بالطبع العبور إلى منصة القيادة الأولى. يحتاج إلى غطاء مناسب، وهذا ما يجهز له مروان البرغوثي... وغالباً هذه هي الصيغة المقترحة من القاهرة، حيث تكتمل اليد بقفازها ويحمي القناع واجهته.
هذا هو التغيير على الطريقة المصرية... أو الاستمرار لكن بوجوه شابة تمنح التنظيم العجوز المتهدّل حيوية فوارة تتيح له المزيد من السيطرة... وتحاول الهيمنة من خلال رتوش التجميل على خطاب الوطنية الكلاسيكي.
في مصر، يجري التغيير في تركيبة الحزب الوطني الحاكم ليستمر في طريق الخلود... ويعلن الحزب إجراء عمليات تطهير من الفساد، لكنها استعراضية ولا تمسّ الديناصورات الكبرى... كذلك فإن الحزب لا يزال يخطو بحذر في انتخاباته الداخلية.
في المقابل، لا قوة فعلية لجماعة الإخوان المسلمين (على غرار ما بين فتح وحماس). الجماعة إلى حد كبير تحت السيطرة بالصدمة (الاعتقالات) أو بالصفقة (وبشكل موسمي مع الانتخابات).
التغيير لا يقوده هنا الحرس الجديد منفرداً، لكن بمشاركة ما مع الجنرالات... هم مندوبو الجيش في «حصة» التغيير حيث يرتبط التغيير بتوزيع الأنصبة في تركة الرجل المريض.
الجيش حل أزمات الخبز في العام الماضي ويحل هذه الأيام مشكلة الماء الملوث بمرض التيفوئيد... المجتمع صرخ أكثر من مرة «الحقونا»... الصرخات تعبّر عن عجز المؤسسات المدنية للدولة. الاستغاثة تبحث عن «قوة محايدة»... قوة يمكنها إنقاذ مصر.
هذا يعني أن الجيش لا يزال «المؤسسة الوطنية الوحيدة الموثوق فيها» في الدولة،
وهي صورة حقيقية إلى حد كبير، فلا يزال الجيش هو «مؤسسة الإنجازات الصعبة»... من الانتصار العسكري في أكتوبر ١٩٧٣ إلى القدرات الضخمة في الأعمال المدنية.
لكن هذا شيء، والحديث عن الدور السياسي للجيش شيء آخر تماماً. هناك خلط يحدث الآن بين المكانة الضخمة للجيش في الدولة والمجتمع والدور المنتظر للجنرالات في حرب الخلافة على مبارك.
القوّة المحرّكة للتغيير تبحث عن خلطة تحقّق الاستمرار تحت شعار التغيير، وهذا ما تمّ في «فتح» في نموذج لحالة التغيير على الطريقة المصرية... الإرادة الحقيقية باتجاه تجديد شباب «الحزب الحاكم» من أجل حرب داخلية مع الخصوم في ملعب السلطة.
والموديل الجاهز هو خلطة بين التاريخ والفتوة وبين البيزنس والحنين إلى خطاب الوطنية الكلاسيكية لاستعادة الأرض المخطوفة من الخصم «الأصولي» الجريح
الخصم الجريح يناوش من بعيد معتمداً على النيل والتضحيات، منتظراً ضربات مقبلة أو صدمات لا استفاقة منها.