المناورة التدريبية على حصول هزّة أو زلزال في صريفا، التي شارك فيها كل من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل والدفاع المدني، كان الهدف منها معرفة التصرف لدى حصول هزة أرضية في منطقة صار تعداد الهزات التي ضربتها يفوق التسعمئة. لكن أغلب الأهالي، المعنيّين أولاً بالموضوع، لم يكونوا على علم بالمناورة، رغم إعلامهم به أول من أمس، من مكبّر الجامع حسب رئيس البلدية
صريفا ــ آمال خليل
«هزّة ولا كلّ الهزات» تلك التي ضربت صريفا عند السابعة والربع من صباح أمس. لم تحدّد قوات اليونيفيل، التي أعطت إشارة البدء لاتخاذ إجراءات ما بعد الهزّات، قوتها. الهدف من المناورة التدرب على طريقة التصرف في حال حصول هزة في البلدة الموجودة على خطّ زلازل جعلها لا تتوقف عن الهز. فعلياً هذه المرة، منذ سنوات. أضرار الهزة الافتراضية، التي استمر التدرب عليها حتى الرابعة من بعد الظهر، اقتصرت على انزعاج ودهشة شعر بها بعض المواطنين، الذين قالوا لـ«الأخبار» إنهم لم يكونوا على علم مسبق بالمناورة، علماً بأن رئيس بلدية صريفا علي عيد قال لـ«الأخبار» إنهم أذاعوا أول من أمس خبر المناورة من الجامع، لكنه يفترض من جهة أخرى أن لا يكون كل السكان قد سمعوا بها.
اجتمع العالم للبروفة، لكننا لن نجدهم عند وقوع هزّة حقيقية
لذلك فإن الهزة «الكذابية» كما وصفها بعض الأهالي، سبّبت ردات فعل متفاوتة بشأن جدواها. ففيما رأى البعض أنها جيدة من أجل تحديد ثغر الإجراءات في حال حصول كارثة، فإن البعض الآخر رأى أنه كان من الأفضل، عوضاً عنها، إثارة قضايا البلدة المزمنة كانقطاع المياه والكهرباء والإجحاف اللاحق بمزارعي التبغ.
هكذا، سخر بعض المواطنين من المناورة التي اشترك فيها كلّ من اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث والجيش اللبناني، إضافة إلى قوات اليونيفيل، ووصفوها بفيلم طويل نفذته قوات اليونيفيل طوال 9 ساعات عن فكرة وسيناريو وإخراج الجهات الآنفة الذكر. أما مواقع التدريب فقد كانت في منطقتين:
1ــ مزرعة الطويري: اختارتها قوات اليونيفيل نقطة للهزة لأنها تقع عند أحد أطراف البلدة النائية والخالية من المنازل والحقول، باستثناء مزرعة مهجورة استخدمت كأنها بيوت ضربتها الكارثة. وفيها انطلقت أولى مراحل المناورة التي هدفت إلى تدريب الجيش اللبناني والصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني على إدارة منطقة الكوارث بعد حدوثها. ولهذه الغاية، قام جنود من اليونيفيل والجيش بدور القتلى والمصابين والسكان المشردين الذين تولّت سيارات الإسعاف التابعة للمتدربين نقلهم من المكان وإجلاءهم. وبسبب تراكم الردم على بعض الطرقات، تدخلت مروحيات اليونيفيل وأجلت السكان والمصابين. فيما تولت آليات وفرق أخرى رفع ركام الأبنية المتضررة وإزالة الردم من الطرقات وفتحها.
2ــ المرج: حقل واسع يقع في قلب البلدة، كان الموقع الذي فتحه المناورون أمام المواطنين ليتفرجوا على فعاليات ما بعد الهزة. المرج تحول إلى معرض أممي استخدمت أكبر أجنحته كمستشفى ميداني لاستقبال المصابين وإسعافهم وحفظ جثث القتلى. جناح آخر عرض فيه فريق الهندسة في الجيش اللبناني عدداً من الذخائر والقنابل بهدف توعية الناس على مخاطر الألغام والقنابل العنقودية. في المقابل، فإن عناصر من الدفاع المدني والصليب الأحمر الذين اشتركوا فقط في إخلاء المصابين بسياراتهم، اتخذوا خيماً للراحة والتأمل في فعاليات المناورة الأممية. أكثر الأجنحة التي شهدت إقبالاً جماهيرياً هو المستوصف الذي استحدثه الفريق الطبي التابع للوحدتين الإيطالية والصينية استقبل فيه المرضى من أهالي البلدة وعاينهم أطباؤه ووزعوا عليهم الأدوية مجاناً. الطريق المعبدة المحيطة بمسرح المناورة أيضاً شهدت إقبالاً من نوع آخر حيث تحدى عدد من الصبايا والشباب حرارة الشمس و«كزدروا» مجيئاً ورواحاً بين الجنود والخيم كأنهم على الكورنيش البحري.
أما في المنطقة الواقعة بين المرج والطويري فقد كان المشهد مختلفاً. وفيما بعض الأهالي دفعته الحشرية أو الحاجة إلى المعاينة للتوجه نحو المرج، فإن البعض الآخر تابع مزاولة أعماله وحياته اليومية. فهزة اليوم الافتراضية «أحدثت توتراً وحذراً في البلدة أكثر من الهزات الحقيقية» يقول علي نجدي، بينما كان يتابع عمله في دكانه «بسبب أصوات سيارات الإسعاف التي تنقل المصابين الممثلين وزحمة المواكب العسكرية وحشود عناصر الأمن اللبنانيين والأممين التي وضعت عند مفترقات البلدة». من جهته، يؤكد وسيم فقيه أن «أمم العالم التي اجتمعت في البلدة بسبب بروفة لن نجد رجلاً منهم يقف إلى جانبنا ويدعمنا عند وقوع هزة حقيقية، على غرار ما حصل في الهزات التي فاقت التسعمئة». إشارة إلى أن الهيئات المحلية وفرق الإسعاف الموجودة في البلدة، والتي تكون أول الواصلين إلى مكان الكارثة، لم تدعَ للاشتراك. لكن علي سعد مسؤول الإعلام في الصليب الأحمر اللبناني في منطقة الجنوب، برر الأمر بأن «الهدف من التدريب يشمل فرق الإنقاذ المحترفة القادرة على التحرك السليم والكافي خلال الكوارث».
وبالرغم من تحرك الأمم المتحدة لتدريب صريفا على مواجهة الهزات ومشاركة قائد قوات اليونيفيل، الجنرال كلاوديو غراتسيانو، شخصياً، إلا أن بعض الأهالي لم يكن راضياً. إحدى السيدات لم تهتم بندوة التوعية التي قدمها الجيش واليونيفيل عن الإجراءات الاحتياطية التي يجب أن تتخذ لدى وقوع الهزة، بل بادرت أول ما رأت الضابط اللبناني إلى سؤاله عن مصير التعويضات عن البيوت التي تضررت في الهزات السابقة. وذلك بعدما قام الجيش بالكشف ثلاث مرات على بيتها للتأكد من حجم التفسّخات من دون إعلامها بموعد التعويض. مواطن آخر سأله عن سبب انقطاع المياه والكهرباء عن البلدة منذ شهرين. أما السؤال الأصعب الذي أجمع عليه كل المواطنين الذين تفرّجوا على مناورة صريفا: «ماذا قدّم لنا المناورون الذين غادروا ولم يتركوا وراءهم شيئاً، من خيم وشوادر ومعدات ليواجهوا بها الهزة إذا ما حصلت؟».