أسئلة عديدة طرحها الملتقى العربي لمنظمات المجتمع المدني الذي تنتهي أعماله اليوم في فندق البريستول، عن التحديات التي تواجه الدول العربية في موضوع التغيّر المناخي، وفي المواقف التي يجب اتخاذها أثناء المفاوضات الجارية بشأن الموضوع. من يتحمل مسؤولية تغيّر المناخ وكلفته؟ وكيف يمكن اتخاذ إجراءات لا تؤثر في فرص النمو؟ من يبدأ أولاً؟ السعودية وسوريا قدّمتا بعض الأجوبة، أمّا لبنان، فكان الغائب الأكبر
بسام القنطار
ازدحام العاصمة اللبنانية بيروت، لم يكن في شوارعها فقط، رغم أنه بدا السمة الأبرز أمس، بل كان أيضاً في تعدد اللقاءات المتعلقة بموضوع تغير المناخ المنعقدة في بيروت. وإذا كان الازدحام الأول له تبريراته الأمنية بعد هروب أحد موقوفي «فتح الإسلام» من سجن رومية، فإن الازدحام الثاني، الناتج من تعدد المؤتمرات، يطرح علامة استفهام جدية بشأن أسباب التشرذم، وخصوصاً أن العديد من المشاركين والإعلاميين كانوا يرغبون في متابعة تلك اللقاءات.
اللقاء الأول استضافه معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، وناقش قابلية لبنان للتأثر بالتغيّرات المناخية. اللقاء الذي نظّمته وزارة البيئة اللبنانية بالتعاون مع التقرير الوطني الثاني إلى مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغيّرات المناخية، تضمن عرضاً لدراسة وطنية تشمل النواحي الاقتصادية والبيئية والإنمائية للتخفيف من آثار التغيّرات المناخية. وبحسب بيان صادر عن المنظمين فإن هذه الدراسة ستمكّن لبنان من تحديد الاحتياجات الضرورية للتخفيف من أثر هذه التغيّرات، والإجراءات الواجب اتخاذها وأدوات تنفيذها.
يبدو مطلب الإجماع حجة من لا يريد أن يلتزم فيبقى الكل في انتظار الكل
أما اللقاء الثاني، فنظّمته الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية، ورابطة الناشطين المستقلين «إندي أكت» والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، إضافةً إلى التحالف العربي حول تغيّر المناخ، وهو لقاء إقليمي، جمع في فندق البريستول في بيروت، ممثلي عدد من الحكومات العربية والمنظمات غير الحكومية في المنطقة.
وكان لافتاً حضور ممثلَين عن الحكومتين السعودية والسورية، وتقديمهما عروضاً تشرح موقفي بلديهما من المفاوضات الجارية بشأن تغيّر المناخ، التي ستنتهي هذا العام في كوبنهاغن، فيما اكتفت وزارة البيئة اللبنانية بانتداب جريس برباري، الذي حضر الجلسة الافتتاحية، وغاب عن الجلسة المخصصة للحكومات لعرض الموقف اللبناني.
وفيما يتّفق المراقبون على أن معادلة س.س (السعودية وسوريا) ضرورية لحدوث «التغير» الحكومي في لبنان، حضرت هذه المعادلة في موضوع التغير المناخي، في لقاء البريستول. وعكست المناقشات رؤية جديدة إلى الموقف المفترض أن تتخذه منظمات المجتمع المدني العربية، من السعودية، المتهمه بعرقلة مسار المفاوضات في الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، والتي لا تزال تسيطر عليها الرغبة في إيجاد إجماع عالمي على الحلول. وهو أمر، حسب التجارب السابقة، يبدو مستحيلاً. ولا سيما أن البلدان النامية تحمّل البلدان المتقدمة المسؤولية الأكبر، وبالتالي الكلفة، «هكذا يبدو مطلب الإجماع حجة من لا يريد أن يلتزم فيبقى الكل في انتظار الكل، ولا يتغير شيء»، كما قال الأمين العام لحزب البيئة اللبناني الزميل حبيب معلوف في مداخلته أمس.
ويصنّف هذا اللقاء الإقليمي بأنه جزء من عمل المنظمات غير الحكومية لبناء التوعية السياسية والعلمية بخصوص أزمة تغيّر المناخ.
قيصر أحمد الطيب ممثل السعودية في المفاوضات، أكد أهمية انعقاد المؤتمر والحوار بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية. ولفت إلى أن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية كيوتو، سبّب مشكلة كبيرة، لأنه ساعد على انخفاض مستوى تنفيذ الالتزامات الفعلية للدول الصناعية التي نصّت عليها الاتفاقية، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي.
وأشار الطيب إلى خطورة التركيز على ما يمكن أن تفعله الدول النامية، دون النقاش الفعلي لما كان يجب أن تفعله الدول الصناعية أصلاً. ونبّه إلى أن الوقت قصير جداً قبل قمة كوبنهاغن للخروج باتفاقية تفصيلية، وأنّ من المرجح أن يُتّفق على أُطر عامة هي نفسها ستخضع للنقاش. لكنه توقع أن يكون «هناك شيء مخبّأ لأن النصوص الورقية في الاجتماعات الحالية لا تتضمن الوصفة النهائية لما سيناقَش في كوبنهاغن».
وأكد ممثل سوريا هيثم نشواتي أن موقف حكومته هو الموقف المشترك لمجموعة الـ 77، الذي يطالب بالعدالة في مقاربة هذه المشكلة التاريخية. وشرح نشواتي الآثار الكبيرة التي سبّبها تغيّر المناخ في سوريا من التصحّر إلى جفاف الأنهر والعواصف الرملية وانحباس الأمطار. وبدا واضحاً أن النشواتي لم يعلّق على المداخلة التي قدمها زميله السعودي، لكن الأكيد أن موقف الأخير، يعبّر عن موقف دول «أوبك» أكثر من تعبيره عن موقف الدول النامية، وخصوصاً الدول الصغيرة بما فيها لبنان وسوريا.
المدير التنفيذي في شبكة المنظمات غير الحكومية للتنمية في لبنان زياد عبد الصمد طالب «بمشاركة الدول النامية في صناعة السياسة على المستوى الدولي، بما في ذلك مشاركة المجتمع المدني للضغط من أجل بدائل قائمة على حفظ جميع الحقوق».
أما الناشطة شروتي شكلا، من حملة «كان» الدولية، فطالبت بأن يبدأ العرب متابعة المفاوضات على مستوى سياسي أعلى، وأن يزيدوا من التوعية العامة لكي يزيد الرأي العام ضغطه على الحكومات للانخراط بطريقة أقوى في هذه المسألة. وأضافت «سيكون مخيّباً لآمال الكثير من الدول النامية الأخرى رؤية أقرانهم العرب يقلّصون من احتمال التوصل إلى معاهدة مناخية عادلة وشاملة».
بدورها رأت كاثرين واتس خبيرة السياسات الاقتصادية في حملة «وورلد وايلد لايف فند» أن «للدول العربية مصالح رئيسة متعددة في المحادثات المناخية، ولكنه لا يجري التركيز حتى اللحظة إلّا على المصالح النفطية»، وأنه «يجب بدء نقاش جدي بشأن كيفية إسهام الدول النفطية في العمل نحو نظام اقتصادي ذي انبعاثات كربون منخفضة». يُذكر أن المؤتمر يتابع أعماله اليوم، إذ يناقش أجندة ما بعد كوبنهاغن والأولويات الوطنية والإقليمية.