عمر نشابةالشاويش هو سجين تختاره إدارة السجن لمتابعة أوضاع عدد من زملائه وتنظيمها. يُعيّن آمر السجن شاويشاً ومساعداً له في كلّ طبقة من مبنى السجن. ويحقّ للشاويش ما لا يحقّ لغيره، في ما يخصّ حرية الحركة والبقاء خارج الزنزانة لمدة طويلة. ويُسلّم الشاويش أحياناً مفاتيح بعض البوابات الداخلية، ويُطلب منه تفتيش أمتعة السجناء. ذلك مخالف للقانون، وخصوصاً أن اختيار الشاويش يخضع في معظم الحالات لاعتبارات القوّة والواسطة والمحسوبيات، لا لمعايير مهنية واضحة. يستعين ضباط قوى الأمن الداخلي ورتباؤها وعناصرها المكلّفون إدارة السجون وحراستها بالشاويش لحفظ الأمن والنظام في السجن، ولتنظيم الأمور فيه إذ إن عديدهم قليل، وكفاءتهم في إدارة السجون قليلة. ويرى بعض ضباط قوى الأمن الداخلي ورتباؤها أن تجاوزهم للقانون له مبرراته، ومنها أن القوانين قديمة العهد ولم يُعمل على تحديثها، وبالتالي فهي لا تتناسب مع حاجات المؤسسات الأمنية الملحّة، وأن تحديث القوانين يستغرق وقتاً طويلاً بسبب الإجراءات البيروقراطية البطيئة في معظم إدارات الدولة، بينما بعض حاجات المؤسسات الأمنية مستعجلة.
ويمكن إضافة مبرّرات لا تقلّ عن المبرّرات المذكورة أهميةً، غير أن ذلك يُدخل الدولة في حلقة مفرغة، إذ إن تجاوز المكلّفين إنفاذ القانون للقانون هو بمثابة انتحار لمنطق الجمهورية الديموقراطية، حيث الجميع يخضعون لسلطة القانون. ولا تساهل في ذلك مع ضابط أمن أو طبيب أو وزير أو رئيس أو مزارع أو عامل تنظيفات. لكن ثمّة ضباط وعسكريون يصرّون على أن ضرورات الحفاظ على الأمن تتطلّب أحياناً تجاوز بعض القوانين.
إنها حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها إلا عبر قلب الطاولة كما فعل وزير الداخلية زياد بارود أخيراً.
بارود، بعد اطّلاعه على التقارير الأوّلية للمفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، وبعد تكرار أعمال الشغب في السجون خلال الآونة الأخيرة، وبعد تلقّيه عشرات الشكاوى من المواطنين، وبعد قراءة تقارير اعتمدت منهجية علمية تصف المشاكل التي تعانيها السجون وتجاوزات الضباط والرتباء والعناصر المكلفين إدارة السجون وحراستها، قرّر فصل جميع الضباط والرتباء والعناصر في كلّ السجون، وتوقيف عدد منهم رهن التحقيق.
عُدّ القرار غير مسبوق في الجمهورية اللبنانية لجهة شموليته، ما يعني عدم استثناء أي ضابط أو رتيب أو عنصر مهما بلغت واسطته. كما تميّز القرار بسرعة صدوره ـــــ في اليوم نفسه لمحاولة فرار سجناء من رومية. اتهم البعض وزير الداخلية بالتسرّع، واعتقد آخرون بأن دوافع قراره سياسية. لكن ما قد يكون قد أغفله هؤلاء هو أن محاولة بعض السجناء الفرار من السجن، ونجاح أحدهم بالقفز فوق الجدار، والاختباء في الأحراج لليلة وضحاها، لم تكن جميعها وراء الخطوة الجريئة التي قام بها بارود. كما لم يكن أداء قوى الأمن الداخلي التي تعاني انقساماً حاداً في صفوف ضبّاطها ومجلس قيادتها، ونقصاً في عديدها، المستهدف في قرار الوزير الشاب. وليس موقف الوزير الحاسم وليد استقواء برئيس الجمهورية، الذي يعدّ بارود من حصّته، ولا لتحسين شروط تعيينه المحتمل في الحكومة المقبلة. ولا يهدف بارود عبر قراره إلى إثبات أن بإمكانه الضرب بيد من حديد. بل إن الهدف من قرار الوزير:
أولاً، التذكير بصوت عالٍ بأن لا سلطة فوق القانون، وأنه لا يجوز الاستمرار في التساهل مع التجاوزات مهما كانت الضرورات.
ثانياً، إعادة إحياء مبدأ المساءلة والمحاسبة في مؤسسات الدولة. وفي هذا الإطار، ذكّر بارود في حديث إعلامي قبل يومين بأنه يخضع أيضاً لذلك النظام، فليطرح أي نائب الثقة به كوزير للداخلية والبلديات، أو فليُستجوب في البرلمان.
ثالثاً، محاولة إعادة جزء من الثقة المفقودة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وأيضاً بين المسؤولين في تلك الإدارات. فالوزير بارود لا ينتمي إلى أيّ من الفريقين الأساسيين المتنازعين، وسيشمل قراره ضباطاً يحظون بدعم كلّ من الفريقين النافذين سياسياً وطائفياً ومذهبياً. ويستحقّ بارود دعم الناس ليتمكّن من ردّ تدخّلات من أعلى المراجع في الدولة وخارجها لحماية ضباط وعسكريين يشتبه بتورّطهم في الفساد، وبتجاوز القانون في السجون.
وما كادت تمرّ ساعات قليلة على صدور قرار بارود حتى انطلقت حفلة التقاذف بالاتهامات، وبتحميل المسؤولية بين بعض السياسيين والضباط على حساب آخرين. وبدأت نسبة الضغط على زياد بارود ترتفع شيئاً فشيئاً. إنها الفرصة الذهبية للقضاء عليه، وعلى ما يمثّله من فرصة للإصلاح ولإعادة الجمهورية اللبنانية إلى خريطة الدول التي تحترم فيها الدولة والقيّمون عليها قوانينها.