أخيراً حلّ الصيف، وليس أي صيف، فالاحتباس الحراري قد فعل فعله، ودرجات الحرارة أصبحت أعلى من العادة في لبنان. نتيجة لذلك، تخفّفت الصبايا مما تيسّر من ثيابهن، بينما شهد الشباب «ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة» عزّزه انحسار ملابس الفاتنات. ما رأي الشباب في ذلك؟
رنا حايك
«لأ كتير هلقد... يرحمونا بقى... الشباب تقلت همّتن والمشي صار أصعب من الفاريز!»، بهذه العبارة يعلق فادي على الأجساد الممشوقة والمصقولة لصبايا يتخايلن بخفة في المقهى الذي يجلس فيه، مضيفاً بخبث «الليزر زاد الطين بلة!».
فحرارة الصيف المرتفعة فرضت على الفتيات اللواتي لا يمانعن «التزليط»، المزيد منه. مزيد وجده البعض فيه مبالغة، فيما «أسعد» البعض الآخر، ووجدته فئة أخرى حافظت على حياديتها تجاهه، عادياً. تتنوع دوافع الأفراد في فئة «مناهضي التزليط»: فبينهم من ينطلق من اعتبارات أخلاقية منادياً بالحشمة، وبينهم من ينطلق من دوافع دينية ليتحدث عن العورة وملحقاتها. إلا أن الانتقادات لا تقتصر على هذين الأمرين «الكلاسيكيين»، فهناك نوع ثالث ينطلق من اعتبارات جمالية، تخاطب العين والتشكيل.
علي أحد هؤلاء. كونه رساماً، يدقق في التفاصيل. يتجنب ارتياد البحر لأن «الأجساد العارية والمتعرقة تنفّرني»، وليس فقط «لأنني أخاف السباحة» كما يعترف ضاحكاً. يؤكد على براءة رأيه من أي اعتبارات تتعلق بـ«المؤسسة الأخلاقية الرسمية»، ويبرّره بدوافع حسية وتشكيلية بحتة شارحاً: «الانكشاف الزائد يضر بالعنصر الجمالي ويفتت اللغز. ماذا يبقى من سحر المرأة بعد أن تظهر أصغر مسامّها بالعين المجردة؟».
لا يتابع علي دروسه في الحوزة العلمية، بل إن لوحة لكارل ماركس بريشته تتصدر صالون بيته، فيما يغفو على صورة للينين علّقها بعناية على الحائط قرب سريره، لكنه، ببساطة، يرى أن المغالاة في انحسار الملابس «تلامس حد الابتذال أحياناً». وهذا لا يتعلق فقط بعدد السنتيمترات المكشوفة بل أيضاً بـ«الزي نفسه، بتنسيق الألوان والموديلات وطريقة ارتداء الملابس وشكلها النهائي على جسد الفتاة».
في المقابل، يستفيد نادر مما «قلّ ودل» من ملابس الفتيات، كما يصفها، لافتاً إلى «حظنا الوفير في لبنان على مستوى الحريات، نسبة إلى البلاد العربية الأخرى، التي قد تحرّم على النساء الخروج وحدهن أحياناً ولو كنّ محتشمات». ولمناسبة الحجاب، يرى أحمد أن «العري المبالغ به يجب ألا يكون هجنة، تماماً كما أن ارتداء التشادور ليس هجنة». فالحرية، برأيه، لا تتجزّأ، وهي ليست حكراً على فئة واحدة، كما أنها لا تقبل التوجيه، فهي تكون كاملة أو لا تكون.
«مش فرقانة معي شو يقولوا الناس، رح طق من الشوب، شو بموت يعني؟» تقول مايا. هي مجرّد شابة «فطسانة» من الحر. تدرك أن الموضوع قد يستهوي غيرها من الفتيات ويقدم لهن «العذر الشرعي للتزليط على طبق من فضة»، لكن، بالنسبة إليها، لا يعنيها أن تلفت نظر أحد، «بلبس شو ما كان. المهم إتجنب الشوب قد ما فيي. ما بعرف المحجبات كيف فيهن يتحملوا!» تقول.
على هذا «التعليق الاستفهامي»، تجيب نادين، المحجبة، بأنها «أكيد منشوّب» ومضيفة «أوقات بقول يا ريت الله بيسمحلنا نشلح بالصيف. لكن هيدا مستحيل، والحجاب فرض ما فيي ما طبّقه». الحل: «أختار ثياباً أرق من العادة، وأتجنب القيام بمشاوير الظهر»، كما تقول، لافتة إلى أن «الشمس ما حتخف أصلاً إذا لبسنا أقل!».
وفيما يحتدم النقاش بين مناهضي التزليط ومريديه، تستهجن ريتا الحديث عنه من الأساس، فهي لم تلاحظ أنه ازداد، «عنا بجونيه بعده نفس الشي، متل قبل». تأتي ملاحظتها كالصفعة. كنا نسينا أننا في لبنان، حيث يستحيل التعميم، وحيث تفقد العاصمة، وتحديداً شارع الحمرا فيها، صفتهما التمثيلية.


«التزليط» في القانون اللبناني

«يا ساتر عهالجيل!»، عبارة قلّ من لم يسمعها من ذويه، الذين غالباً ما يرفقونها بعبارة «بأوروبا ما فيه هيك!»، التي تصبح في حالتنا «ما بيلبسوا هيك». رداً على هذا الموقف، قد يتهمهم الأبناء بـ«الرجعية». إلا أن الحقوقيين منهم قد «يفحمونهم» بذكر المادة 757 من قانون العقوبات اللبناني الذي صدر عام 1943 واستوحي كجميع قوانين تلك الفترة من التشريعات الفرنسية. فهي تنص على عقوبة الحبس لكل من «استحم على مرأى من المارة بوضع مغاير للحشمة ومن ظهر في محل عام ومباح للعامة بمثل ذلك الوضع...». ترى لو طبقت هذه المادة، هل يعاقب رواد «السان بلاش» في منطقة المنارة؟ وهل تحاسب فتاة ترتدي «شورت الـ10 سنتمتر اللي عالموضة هاليومين»، كما تسميه الوالدة؟