النبطية ـــ مايا ياغيبدأ فصل الصيف ومعه بدأت العطلة الصيفية. تأهب الشباب في القرى المحيطة لمدينة النبطية لبدء موسم الكدّ والعمل. موسم يجمعون خلاله تكاليف عام دراسي مقبل، لأنهم يتحمّلون مسؤولية أنفسهم. فبحسب العرف الجنوبي، من يبلغ عمر الرابعة عشرة يصبح مسؤولاً عن نفسه وينتظر منه تخفيف العبء عن والديه وعن إخوته، الذين لم تسمح ظروفهم الاقتصادية بتأمين ما ينعم به الآخرون من ترفيه ومغامرات صيفية.
يلبس حسن حريبي (17 عاماً) بدلة سوداء كل صباح قبل أن يتجه نحو إحدى الاستراحات على ضفاف نهر الليطاني، ليعمل، مثل كل موسم، بدوام يومي وكامل، ويتقاضى عنه بدلاً شهرياً بمقدار ثلاثمئة ألف ليرة يجدها «بتفرج هم» كما يقول، مضيفاً: «بعبّي وقتي أحسن ما ابقى بالبيت، وبنفس الوقت بأمّن حوالى مليون ليرة. حلوين! بيكفوني مصروف للسنة الجاي».
يعمل الكثير من شباب محيط النبطية في المحال التجارية والسوبرماركات والمقاهي، رغم أن الرواتب تصل «إذا شنقت حالا إلى ثلاثمئة وخمسين ألف ليرة»، كما تقول فاديا، التي تعمل سكرتيرة في إحدى العيادات: «بيعطيني 250 ألف ليرة وإذا بيصحلوا بيقلّي نظفي البيت كمان! العمل عند الناس سخرة بس مضطرة، عندي مصروف جامعة ولازم أمنوا».
كذلك، يساعد معظم الشباب في الجنوب والديهم المزارعين في أغلب الأحيان، وخصوصاً أن الحياة الجنوبية تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة، لا سيما التبغ والزعتر. هكذا، ينتظر الأهل بفارغ الصبر انتهاء العام الدراسي ليساعدهم الأبناء في جني المحاصيل، وبالعمل في حقول القمح والحبوب كالعدس وغيرها. ترى في عيون هؤلاء الشباب الاندفاع الذي يحثهم على تأمين ظروف معيشية أفضل. وبما أنه قد لا يمر يوم كامل من دون أن تسمع صوت مشادة بين أحدهم ووالده بحجة أنه لا يقوم بعمله جيداً، قد يفضّل بعضهم العمل مع غرباء. هاني سالم (15 عاماً) يقول: «أنا أعمل في الصيف مع ميكانيكي سيارات كي لا أعمل مع والدي. فرغم أنني أساعده، يصرخ علي طوال النهار ويمر اليوم بالمشاجرات، فقلت هيك أحسن، بريّح راسي». أما محمد حريبي، فيخالفه الرأي، إذ يشتكي من النهوض قبل طلوع الضوء لمساعدة والديه في قطاف «الدخان»، أي التبغ: «ما بصدق ايمتى تجي العطلة الصيفية حتى نام شوي، بيطلعلنا قطيفة الدخان، ايه والله لو أعمال شاقة ما هيك، بس ما في حل بديل غير هالمصلحة والشغل عند الناس أصعب بكتير من مع الأهل».