عصام العريان *بقدر ما أثار مقتل الشهيدة د. مروة الشربيني ثائرة المصريين ضد العنصرية النازية الجديدة، الصاعدة بقوة في ألمانيا، والتي تنتشر في أوروبا، فإنه يلفت الانتباه إلى عدة نقاط:
تأخّر الفعل الرسمي الحكومي في مصر وألمانيا على السواء، وإن تأخر أكثر في ألمانيا، وحدث تحت ضغط رد الفعل الشعبي القوي، وكي لا تتدهور العلاقات المصرية ـــــ الألمانية. وهذا في جانب منه مقبول، إلا أنه يستلزم وجود مقابل ألماني رسمي للحفاظ على هيبة الحكومة المصرية، حيث جاء الحادث الأليم باغتيال السيدة مروة بـ 18 طعنة قاتلة ضد إنسانة بريئة في ساحة محكمة من المفترض أن تتمتع بالحماية الأمنية، وعلى زوجها البريء من جندي مكلّف بالحراسة ـــــ ولو كان دون قصد عمدي، إلا أنه يعكس الحالة النفسية ضد الأجانب، وضد العرب وضد المسلمين، في اللاشعور لدى الشرطي. وربط جميع المعلقين بين الجريمة وبين ارتدائها الحجاب الإسلامي البسيط. وترجع تلك العدائية إلى حالة «الإسلاموفوبيا» التى خلقها الإعلام الغربي والسياسات الرسمية التي يتبناها رؤساء مثل ساركوزي وبوش الابن، وتترجمها قوانين وقرارات تتحدى المشاعر الدينية لمليار وربع مليار مسلم فى العالم أجمع.
وقد يكون غياب أي تعاطف رسمي أو شعبي من الكنيسة المصرية ـــــ باستثناء ما قام به نجيب جبرائيل ـــــ غير مبرر وغير مقبول، حتى من الجمعيات التى تقيم الدنيا ولا تقعدها فى الغرب بالذات عندما يتعرض أي مسيحي مصري لمشكلة في مصر. وتقع في المربع نفسه، الذي لم يشارك في الغضب الشعبي، جمعيات وجماعات حقوق الإنسان التي غابت عن المشهد تماماً، باستثناءات قليلة لمجرد الحضور وتسجيل المواقف. كان رد فعل الإعلام الألماني والحكومة الألمانية مخزياً، ويعكس الواقع الذي يريد البعض تجاهله، وهو واقع ترجمه الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة بعنوان مقاله الرائع «ولن يرضى الغرب عنا».
أثارت القضية غضب المصريين ضد الحكومة المصرية وسياستها ضد المحجبات، التي جعل وزير أوقافها مهمته الرئيسية الحرب ضد الموظفات المنقبات وطردهم من وزارته المعنية بالشؤون الإسلامية، وجعل وزراء الإعلام المتعاقبون جلّ همهم عدم ظهور مذيعات محجبات على الشاشة المصرية الرسمية. فكيف نطالب الحكومة بموقف قوي ضد الاعتداء على المحجبات في أوروبا والغرب، بينما هي تطاردهم داخل مصر؟ هل يستوعب المصريون الغاضبون الدرس البليغ: أن البداية في مصر لا في الخارج، وأن احترام كرامة المصري في وطنه هي المقدمة الطبيعية لاحترامه وتكريمه خارج مصر، وأن احترام العرب في العالم رهن بواقعهم في بلادهم العربية، وأن الصورة الذهنية التي تتكوّن عن الإسلام والمسلمين هي نتيجة طبيعية لما تكون عليه حالهم فى بلادهم الإسلامية. إهانات المصريين مستمرة، ولن تُنسى قضية الزميلين الطبيبين رؤوف العربي وشوقي عبد ربه في السعودية، وقد توقف جَلدهما ولكن لم يُفرج عنهما، رغم الوعود العالية المستوى بقرب عودتهما إلى مصر.
مسلمون آخرون، مواطنون أصليون، «الويغور» فى الصين، فى تركستان الشرقية هؤلاء الذين سقط منهم حسب البيانات الرسمية الصينية 184 شهيداً فى مصادمات مع القومية الصينية الغالبة «الهان»، وما يقرب من 800 شهيد حسب مصادر الويغور المهاجرين في أوروبا وأميركا. ولم يتحرك أحد من أجلهم حتى الآن. الذى تحرك منفرداً هو رجب طيب أردوغان، ووصف ما حدث بأنه يقرب من الإبادة الجماعية، وشهدت مدن تركيا الرئيسية تظاهرات صاخبة ضد البربرية والوحشية اللتين صاحبتا الأحداث... هل لأن أصول هؤلاء الشهداء والضحايا تركية، أم لأن تركيا في ظل حكم «العدالة والتنمية» باتت هي المتصدرة للمشهد الإسلامي الرسمي؟
أين رد الفعل العربي؟ لماذا لم نسمع صوتاً عالياً مدوياً من مصر الرسمية أو حتى الشعبية؟ هل باتت المصالح الاقتصادية الضيقة أو الانتماء العرقي أو الانتماء المذهبي هي التي تحرّك المشاعر الإنسانية والإسلامية؟ أين أخوّة الإسلام التي تجمع المسلمين فى العالم أجمع؟
لماذا لم يرتفع صوت ساخط أيضاً في طهران أو الخرطوم التي تربطها مصالح عديدة بالصين، وتملك أدوات ضغط لمنع المذابح التي قد تتصاعد فى ظل غياب رد فعل إسلامي قوي؟
منذ عقدين من السنين، وعندما انفرط عقد يوغوسلافيا السابقة، كان تعاطف العالم الإسلامي مع مسلمي البوسنة والهرسك قوياً جداً، وامتد من تركيا إلى إندونيسيا إلى السعودية إلى مصر إلى الشمال الأفريقي، فما الذي حدث حتى يتراجع رد الفعل الإسلامي الشعبي إلى هذه الدرجة المتأخرة جداً؟
لقد أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي بياناً خجولاً يدين المذابح في «شينغ يانغ»، واكتفت بذلك البيان، ولم تدعُ إلى أي إجراءات عملية لمواجهة المأساة التي يتعرض لها ملايين المسلمين «الويغور» في شمال غربي الصين، حيث يتعرض وطنهم لحملة منظمة لتوطين قوميات أخرى مثل «الهان»، ويحتوي على ثروات طبيعية هائلة. أكبر الأقليات فى العالم هي الأقليات الإسلامية في الصين والهند وروسيا وأوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية، وهي أقليات متروكة لمصيرها دون حماية دولية ولا حماية إسلامية رسمية.
هم مسلمون، ولا بواكيَ لهم. يتعرضون للتمييز وللإهانات المستمرة ولمحاولات الإقصاء من الحياة العامة ولمحاولات الإدماج القسري، مقابل التخلي عن ثوابت دينهم. ومع كل ذلك، وإضافةً إلى تحوّلهم إلى لاجئين في بلادهم أحياناً، ومع تكوينهم لأكبر نسبة من اللاجئين في العالم، فلا حماية لهم، ولا منظمات دولية تتبنى قضاياهم، ولا دول إسلامية تبسط رعايتها عليهم. لهم الله! نعم، لهم الله، بعد كل هذا التضييق حتى على العمل الإغاثي الإنساني الإسلامي لمساعدة اللاجئين ومصادرة ملايين الدولارات في أميركا ومصر وغيرها، التي يتبرع بها الأفراد ولمساعدة هؤلاء المساكين.
نعم، لهم الله بعد مطاردة المؤسسات والجمعيات التي تُعنى بشؤونهم في أوروبا وأميركا ومصر والعالم العربي، بحجة وذريعة ساقطة مثل الإرهاب والعنف وتبييض الأموال وغسيلها. نعم، لهم الله قبل ذلك وبعد ذلك، فهو حسبنا وحسبهم ونعم الوكيل.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر