عندما يُدرس تغيّر المناخ في الشرق الأوسط تختلط المرادفات المناخية بالسياسية. «ندرة الحوار» مشكلة خطيرة شأنها شأن «ندرة المياه». وازدياد «التصحر» لا يمكن فهمه بمعزل عن ازدياد «التوتر». وليست هذه هي الحال بين إسرائيل والدول العربية فقط، بل بين الدول العربية نفسها وفي داخلها. أما الحل الدنماركي، فقُدّم أمس في بيروت على الشكل الآتي: تعزيز ثقافة «حفظ الموارد» بالتزامن مع «حفظ اتفاقيات السلام»
بسام القنطار
يتعاطى العالم العربي، حكومات وشعوباً، مع الأدلة العلمية المتزايدة على سرعة تغيّر المناخ وآثاره، بالكثير من الخفّة، فتصوّر المشكلة على أنها ثانوية سيجري التطرق إليها متى حُلّت المشاكل الأخرى. غير أن النظر إلى تغيّر المناخ عن طريق إعادة رسم خرائط توفر المياه والأمن الغذائي وانتشار الأمراض والتوزيع السكاني والحدود الساحلية، قد يمثّل العامل الأمني الأخطر على المنطقة، التي تعيش نزاعات وحروباً منذ احتلال فلسطين عام 1948.
الخلاصة أعلاه، توصل إليها تقرير أعده المعهد الدولي للتنمية المستدامة، بتكليف من وزارة الخارجية الدنماركية، أُطلق أمس في لقاء استضافته مؤسسة عصام فارس للدراسات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، بالتعاون مع رابطة الناشطين الدوليين «أندي آكت».
ومن المعلوم أن الدنمارك، ستستضيف في شهر كانون الأول المقبل، القمة العالمية عن المناخ التي ستقرّ اتفاقية جديدة تخلف اتفاقية كيوتو، التي تنتهي مفاعيلها عام 2012.
تضمّن اللقاء عرضاً لملخّص عن التقرير قدّمه معدّ التقرير أولي براون. ولقد شدّد براون، الذي كان قد أعدّ تقريره بالشراكة مع أليك كروفورد على أن تقريره يتّسم «بالموضوعية والحيادية والبعد عن السياسة»، إلّا أن تفحّص العبارات التي استخدمها التقرير في وصف الصراع العربي الإسرائيلي وانعكاساته على تغير المناخ، يبين أنه كان شديد الحذر، ولم يقارب الحقوق المكتسبة للمتضررين من الاحتلال، التي تكفلها القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة. إضافة إلى أنه بالغ في تقدير نتائج المبادرات التي أطلقتها مؤسسات دولية معنية بالسلام والبيئة في كل من الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وأكد براون في حديث لـ«الأخبار» أن الخلاصات التي توصّل إليها التقرير «نتجت من استشارات وورش عمل في مختلف دول المنطقة لفترة ستة أشهر، وبكلفة 100 ألف دولار أميركي».
وأشار بروان إلى أن التقرير «سعى إلى تقديم تحليل محايد عن الخطر الأمني الناجم عن تغيّر المناخ في المنطقة خلال السنوات الأربعين المقبلة (حتى عام 2050)»، كما شدّد على أن عدم الرغبة في التعاون في مشاريع المياه والطاقة، ناتج من ظهور نهج الاستئثار في ما يتعلق بالموارد.
ويشير التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار، سيؤديان إلى الحد من تدفّق الأنهار والجداول وإبطاء معدل إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، ورفع مستوى سطح البحر تدريجاً، وجعل المنطقة بأسرها تتجه أكثر فأكثر نحو التصحّر والقحل، وسيكون لهذه التغيّرات سلسلة من الآثار، ولا سيما بالنسبة إلى الزراعة وإدارة المياه.
ويستغرب التقرير غياب النقاش في المنطقة بشأن التهديد الأمني الذي يمثّله تغيّر المناخ.
ويبيّن أن تغيّر المناخ يمثّل تهديداً للأمن من خلال «التنافس على الموارد النادرة للمياه مما يعوق المفاوضات بشأن اتفاقات سلام جديدة، ويزعزع اتفاقات السلام القائمة. كما أنه سيزيد من انخفاض الإنتاجية الزراعية المحلية، ويجعل أسعار المواد الغذائية العالمية متقلّبة تقلّباً متزايداً، مما يؤدي إلى تسييس أكثر لمسألة الأمن الغذائي. هذا عدا عن ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الإيرادات الحكومية، وزيادة الطلب على الخدمات، كنتيجة غير مباشرة لتغيّر المناخ.
ومن الآثار التي يشير إليها التقرير، الهجرة القسرية من الريف إلى المدن الناتجة من التحوّل في أنماط هطول الأمطار، وانتشار التصحّر وانخفاض الإنتاجية الزراعية. ولا يغفل الإشارة إلى أن تناقص الموارد نتيجة لتغيّر المناخ قد يؤدي إلى زيادة السيطرة العسكرية على الموارد الطبيعية الاستراتيجية.
وخلال إطلاق التقرير أشار السفير الدنماركي في لبنان جان توب كريستنسن، إلى أن الحكومة الدنماركية تؤمن بأن التغيّر المناخي من المسائل التي تمثّل أخطر التهديدات للعالم. وأضاف: «نحن نأمل أن تجتمع شعوب العالم في القمة العالمية في كوبنهاغن، من أجل الوصول إلى اتفاقية تحقق تطلعاتنا في خفض انبعاثاتنا من الغازات الدفيئة».
ولم يخفِ كريستنسن قلقه من غياب النقاش الحقيقي بشأن هذا الملف الحسّاس في العالم العربي عموماً، وفي لبنان على وجه الخصوص. وأعلن أنه «سوف يُطلع الحكومة التي ستؤلّف بعد الانتخابات النيابية على أهمية دور لبنان، ومختلف الدول العربية في قمة كوبنهاغن». وأردف كريستنسن: «الموضوع لا يتعلق فقط بالاتفاقية بل في المساهمة بالحدّ من استهلاك الطاقة. فأنا لا أفهم لماذا لم يستفد لبنان من أكثر من 300 يوم مشمس على مدار العام، ومن الرياح التي تهب في الجبال وعلى الساحل».
بدورها أملت فرح سلكا مديرة البرامج في «إندي آكت» أن تضع الحكومة اللبنانية هذه المسألة ضمن أولوياتها، وتشارك بفعالية في مفاوضات قمة كوبنهاغن. وأعلنت سلسلة تحركات ستقوم بها «إندي آكت» للضغط بهذا الاتجاه.
تجدر الإشارة إلى أن حلقة النقاش التي تلت عرض التقرير ركّزت على أن العالم العربي لن يشهد أي تغيير في السياسات المتعلقة بتغيّر المناخ، دون أن يكون هناك تغيّر أشمل يتعلق بتعزيز ثقافة المشاركة، وضمان حرية التعبير، وتعزيز حقوق الإنسان.