strong>عصام العريان *أهلاً ومرحباً بكم في بلد مضياف كريم. لقد رحبنا نحن وأجدادنا من عمق التاريخ بكل زائر تطأ أقدامه وطننا من مختلف الأجناس والعروق حتى لو كانوا محتلين غازين، ولقد نجحت البوتقة المصرية الضاربة في أعماق التاريخ أن «تمصّر» الكثيرين منهم حتى اختار أن يبقى في بلادنا. ومنهم من أجبرناه على العودة من حيث أتى بخزيه هارباً، مثل نابليون، ومنهم من ظلت بقاياه دليلاً على ضيافة المصريين.
مرحباً بك في زيارة لسنا المقصودين بها، بل هي محطة لتقول كلمتك للعالم العربي والإسلامي الذي ينتظر منك الكثير من الأفعال والقليل من الكلمات، ويكفيه اليوم أن تنفّذ ما وعدت به في برنامجك أو صرّحت به خلال المئة يوم الأولى، فنحن لا نريد المزيد من الوعود ولا الكلمات المنمقة التي أثبتت أنك من أعظم الخطباء بها.
مرحباً بك في زيارة قصيرة جداً لن تجد فيها وقتاً لتتعرف على بلد يفد إليه الملايين كل عام ليتعرفوا على الحضارات الإنسانية التى توالت عليه، بدءاً من حضارة أجدادنا الفراعنة الذين عرفوا التوحيد وعبدوا الإله الواحد، مروراً بالبطالمة اليونانيين والرومان المحتلين الوحشيين، وازدهرت به حضارة مسيحية جللّها عصر الشهداء ثم ختمها بالحضارة التي صنعها كل المؤمنين بالله الذين أسلموا وجوههم له ممن جاؤوا مع يوسف عليه السلام وبقوا بعد رحيل موسى، وممن آمنوا بالمسيحية ثم اعتنقوا الإسلام، ومن مسيحيين بقوا على مسيحيتهم ومن مسلمين من شتى البقاع: من أواسط آسيا إلى تخوم الأناضول إلى شمال أفريقيا وإلى أواسط القارة وجنوب
الصحراء.
مرحباً بك وقد حددت أنت الزيارة وفرضت وجودك بإرادة منفردة، ولمَ لا وأنت وأسلافك تعتبرون أنفسكم أصحاب البيت بما تنفقون من أموال وتقدمون من معونات، فاليد العليا لها القول الفصل في اتخاذ القرارات، ولا يدري أحدٌ هل تلقيت دعوات من أماكن شتى لإلقاء الخطاب الموعود؟ أم أنك فاضلت منفرداً مع مستشاريك واتخذت القرار؟ وهل خطر ببالك أصلاً أن البلد الموعود قد يرفض أو يمتنع عن استقبالك؟ إنه الغموض المثير الذي جعل الجميع يترقبون القرار، ويرحبون فوراً بالإنعام السامي من الباب العالي.
مرحباً بك في ذكرى ليلة حزينة، تمر على المصريين كل عام بكل أسى، حيث يتذكرون كيف عاشوا الأوهام: أنهم قوة لا تقهر، وأنهم سيقهرون «إسرائيل ومن وراء إسرائيل»، وأنه على إسرائيل وأميركا أن تشرب من البحر الأحمر فإن لم يكفها فلتشرب من البحر الأبيض، فإذا بنا بعد تلك الليلة أو قبل انتصاف نهارها نتجرع نحن كؤوس الذل والعار، ونمد أيدينا إلى الأشقاء والأصدقاء لنتحرر من الهزيمة المرّة، ثم بعد ذلك نولّي وجوهنا نحو الأعداء الذين حاربونا بكل وسيلة لنتلقى منهم ثمن المشاركة في المشاريع الجديدة التي غيرت خريطة المنطقة، بعدما حررنا الانتصار العظيم في رمضان / أكتوبر، فإذا بنا نبدد الانتصار، ونهدر الكرامة ونتسول ثمن السكوت عن قضايا الأمة، مليارات إثر مليارات بعدما أصبحت مقولة «99% من أوراق اللعبة بيد أميركا» بلد المعونات والصدقات والمنح والهبات، وصدق الكثيرون منا أنّ أميركا جمعية خيرية تساعد المحتاجين، بينما ضاعت أصوات الخبراء والصادقين وسط ضجيج زيارة لسلف سابق لك استمرت 6 أيام، ثم صداقة سلف آخر أقنع السادات بتوقيع اتفاقية السلام التي لم تثمر إلا الحروب والدمار، طبعاً ليست على أرضنا بل في كل البلاد من حولنا، من لبنان إلى العراق إلى الخليج إلى اليمن إلى السودان، والأيدي الصهيونية تشعل النيران برعاية أسلافكم ثم تصفق فرحاً وابتهاجاً بنجاح المخططات.
مرحباً بك زائراً لطيفاً خفيفاً يريد مصالح بلاده التي أقسم لها يمين الولاء، ولا حرج عندنا في الوفاء بقسمك والولاء لبلادك، بل نحن نقول لك إن من الوفاء لبلادك أن تعلي المبادئ التي تنادي بها الدساتير الأميركية وتعديلاتها، والقيم التي تدعو إليها من الحرية واحترام حقوق الإنسان والديموقراطية واحترام إرادة الشعوب. وليس من الوفاء لوطنك أن تحتل جيوشك أيها الإمبراطور أقاصي الدنيا وأطراف البلاد، وليس من الوفاء لمبادئك أن يستمر اعتقال الأبرياء من دون محاكمة وأن تنتزع منهم الاعترافات الباطلة تحت التعذيب، وأن تستخدموا الطغاة والمستبدين الذين يستمدون البقاء في كراسيهم من دعمكم لهم في انتهاكهم حقوق الشعوب وإنشاء السجون السرية وتعذيب المعتقلين لانتزاع الاعترافات.
إنه العار سيدي الرئيس.
إنه العار الذي سيلحق ببلادكم أبد الدهر مهما أخفيت من صور أو أبقيت من سجون أو حجبت من معلومات.
سنبقى في بيوتنا ننتظر خطابك الموعود، فلسنا من المدعوين للحفل العظيم. سنبقى أمام التلفاز على أمل أن نسمع منكم قرارات لا كلمات ونترقب الأفعال لا المزيد من الوعود والأقوال.
سنملي السمع طويلاً لنرى سياسات جديدة، لا تجميلاً لسياسات قديمة، سنشنف الآذان لنسمع قراراً بوقف دعم الطغاة وإدانة الاستبداد والأمر بإطلاق الحريات وتسريح المعتقلين الأبرياء الذين قُدِّموا على مذبح زيارتكم وقبلها وأثناءها قرباناً لدعمكم المستمر لنظم جمعت بين الفساد والفشل والاستبداد.
سنترقب أن نسمع كلماتكم ليس على وقع أو صدى القنابل التي تحرق الأبرياء في غزة وفلسطين والعراق وأفغانستان، ووادي سوات وباكستان، بل نترقب هدوءاً ولو لساعات فلا نسمع مع كلماتكم هدير دماء الأبرياء. فقد يكون ذلك مقدمة لوقف النزيف المستمر من دماء المسلمين الأبرياء.
سيدي الرئيس، لا أملك أمام كاريزميّتك الطاغية وبلاغتك المؤثرة إلا أن أقول لك: مرحباً، ونحن في الانتظار
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر