ليسوا نجوماً سينمائيين. سيمون بوليفار وتشي غيفارا ليسا بينهم أيضاً. رغم ذلك، صورهم تشبع الجدران بشاعةً. الديموقراطية، ليست مساحةً للتخريب
أحمد محسن
الانتخابات وسخافتها. متى يتوقف هذا القيء الإعلامي؟ أسأل في صمت. أكفر بالوقت الذي يمر بطيئاً، وتتزايد خلاله صور الأشاوس على الطرقات، مبتسمين برقة تارةً، وغاضبين تارةً أخرى. أحدهم يثير الرهبة في قلبي. تطل صورته على المتن من على عمود إنارة، وقد كتب تحتها أنه يؤمن بالإنسان. يبدو كقديس صارم في تطبيق الكتاب المقدس. وآخر في الضاحية، يبتسم كأنه النجم الهوليوودي، أنطونيو بانديراس، فلا ينقصه إلا مسدس من نوع سميثون، كي يصبح ديسبيرادو لبنانياً. يستطيع أن يستغني عن الغيتار مبدئياً أثناء الحملة الانتخابية. وفي الدكوانة، صار البرلمان سلاحاً ثقيلاً. حين قرأت هذا الإعلان، تخيّلت مبنى مجلس النواب في ساحة النجمة مصمماً على شكل مدفع، تنطلق منه القذائف. لا ضير في ذلك، فموقعه في وسط العاصمة، يستطيع أن يصيبنا جميعاً بقاذورات الانعزالية الرثة. المشكلة تكمن في سطوة ثقافة السلاح على سيكولوجية الأحزاب اللبنانية. يقفز من بين الإعلانات فجأة، واحد لطيف: «صوّت أنا عربي». يا للمتعة. صوّت، أي اصرخ، أنّك عربي. يصعب تحديد مدى جدية الدعوة الى الصراخ، التي تثيرها إعلانات لا يكترث لها أحد، وليس لها وظيفة إلا تشويه الجدران الباقية. جدران ساحة الشهداء، تحفل بقسم عظيم هي الأخرى. تقابلك هناك، صورة ناعمة لصحافية شابة، أخذت مسؤولية حماية العيش المشترك على عاتقها بنيةٍ صافية، رغم عدم قدرتها على مغادرة الأشرفية حالياً. من بين هذه الحملات أيضاً، شعارات صفراء، وزرقاء، وبرتقالية، وأخرى خضراء تشبه الرسوم المتحركة. شعب يتنازع على الألوان، يقيم مجازر في حق نفسهِ، وحيطان مدنهِ، من أجل أكثرية نيابية، فيما الأكثرية الفعلية، هي التي لا تعرف إلى صناديق الاقتراع سبيلاً.
يثير هؤلاء المتحمسون للانتخابات دهشتي، إذ يصدقون مهزلة الإحصاءات. شخصياً، كنت أعتقد دوماً أنّ الأمر مزحة. أشك في وجود شخص يستطيع تفسير ما تعنيه «الماكينات الانتخابية». أوّل ما يتبادر إلى ذهن الإنسان عند سماع كلمة «ماكينة» هو الحديد والنفط ـــــ تحية إلى النفط بالمناسبة ـــــ لكن كيف يستحيل البشر آلات؟ أفكر في وقاحتهم، يريدون أن يحوّلوا أصوات الناس الى أوراق! قد يكون من المفيد البحث عن جذور المفردات الانتخابية، ما دام الحديث عن الملصقات الإعلانية يعدّ تطاولاً على الديموقراطية. لغوياً، وعلى سبيل المثال لا التشبيه، يعود أصل كلمة «سكربينة» إلى مصطلح فرنسي هو Escarpin، أي حذاء أنثوي، عُرّب أنثوياً، متجاهلين الجذر الإيطالي الأصلي Scarpino، وهو الأمر الذي لا ينتبه إليه كثيرون، كما لا ينتبهون أنّ Vote هي انتخب، لا صوّت. لا ينتبهون الى أنّ الشعب هنا فقد رئتيه منذ زمن. لا ينتبهون الى أن دخولهم كمواطنين، في طور دورة «الماكينات»، يحوّلهم الى آلآت، تشخص نحو المرحلة الآتية بأنياب «التوافق».
وحدها المدن اللبنانية، تشهد انعطافاً في تفسير النظم الاجتماعية، حتى سقراط ما كان قادراً على تفسيره. هنا في لبنان، الديموقراطية بشكلها الحالي، مجرد مرادف دقيق للفوضى التي يتسم بها الجحيم.