في مثل هذه الأيام، قبل عام، اشتعلت فوهات البنادق، وعلا صوت المعركة. رمى الطلاب كتبهم، حملوا رشاشاتهم، ولبوا نداء معركة عجز الحوار السياسي عن تجنب وقوعها. عام مرّ ولا يزال الشحن السياسي مستمراً، بمثابة شرك لشباب يبرّر ضلوعه في دوامة العنف بأنها تفرض عليه
محمد محسن
من البديهي بالنسبة لمن راقب معارك السابع من أيار في الميدان، أن يرصد كثرة الشباب بين صفوف مقاتلي الموالاة والمعارضة على حدٍّ سواء. إلا أنه، على الرغم من نزولهم إلى الشوارع علناً منذ عام، فقد كان من الصعب الوصول إليهم، وإقناعهم بالإجابة عن بعض الأسئلة، اليوم.
يأخذك أحد مقاتلي المعارضة إلى شرفة منزله، يشير بإصبعه إلى أحد الشوارع المعروفة في بيروت قائلاً: «كنّا نقاتل هناك، لم تستمر المعركة أكثر من ربع ساعة». بالنسبة إلى هذا المقاتل، لم يكن توجّهه السياسي هو الدافع الوحيد وراء نزوله إلى الشارع في 7 أيار، بل إنه تضافر مع غضب من سياسات الحكومة عموماً، كان ينتظر «أول فرصة مؤاتية يفجره فيها»، على حد تعبيره.
بين مقاتلي المعارضة، ثمّة فكرة تتصدر وجهات نظرهم في معركة 7 أيار: «إسرائيل والمقاومة». لا يستلزم النقاش مع مقاتل آخر وقتاً طويلاً، وخصوصاً حين تطفو مباشرة عبارة المقاومة على سطح الحديث: «الحكومة اعتدت على المقاومة التي حمتنا من إسرائيل، لقد طفح الكيل حينها». ينزع الشاب أي صبغة للحرب الأهلية عن يوم 7 أيار، وخصوصاً «أن عنوان المعركة كان الدفاع عن اتصالات المقاومة»، فالمواجهة مع الفريق الآخر لم تحصل إلا لأن «موقف هذا الفريق لم يكن يلائم توجهنا في الدفاع عن المقاومة»، سائلاً: «وين كان سلاحن ضد إسرائيل؟».
بالنسبة إليه، المعركة كانت ضد «إسرائيل»، ويعتبر أن «جماعة الموالاة هم من وضعوا أنفسهم في هذا الموقع»، من دون أن يخفي نيّته المشاركة لاحقاً «بأي معركة مشابهة، إذا كان عنوانها المقاومة والدفاع عن سلاحها».
مقاتل آخر، أعفى تنظيمه السياسي من عبء تسليحه، حين اشترى بندقية كلاشنكوف بنفسه، من طريق زميل له في الجامعة. يعدّد الشاب العشريني ثلاثة أسباب يعتبرها مبرراً للدخول في معركة بين أبناء البلد الواحد: «الدفاع عن الوطن، منع تقسيمه، والحفاظ على مقاومته ضد إسرائيل». هكذا يؤكد الشاب أنّ «من وقف مع حكومة السنيورة حينها، كان يقف ضد المقاومة». يستعير من التاريخ القريب، قصّة انتفاضة 6 شباط التي قامت اعتراضاً على اتفاق 17 أيار، مشبّهاً إياها بالسابع من أيار. لا ينكر المقاتل تضايقه من خسارة بعض الأصدقاء من الموالين، إلا أنه لا يندم على ما قام به، «فالمقاومة خط أحمر» بالنسبة إليه.
في المقلب الآخر، تسيطر فكرة «الدفاع عن الحي، وما حدا يزايد علينا بقصة إسرائيل»، على وجهة نظر شبّان الموالاة، رغم ما يتخلل حديثهم من نبرة ندم على خوض هذه المعركة، وخصوصاً عندما «أعطيناهن الثلث المعطّل، كما أرادوا»، يقول أحدهم.
أحد شبّان منطقة الطريق الجديدة، حمل سلاحه الآلي، ونزل من بيته إلى الشارع مع رفاق له، لأنه «أردنا الدفاع عن حيّنا، رغم أننا لم نكن مجهزّين مثل جماعة 8 آذار»، يروي.
شاب آخر يتعامل مع الأمر بهدوء، يبتسم قائلاً: «عادي، معركة وفرضت علينا، وكنا متحسّبين لها». تتشابه أجوبة شبّان الموالاة من المقاتلين مع أمثالهم في صفوف المعارضة، وخصوصاً بالنسبة إلى العودة مجدداً إلى ساحة القتال، في حال تكرار «هجومهم علينا». يبقى الشبّان من الطرفين، عماد أي معركة تخوضها الأحزاب، ووقودها. يبقون مستعدين لرمي كتبهم جانباً، والتخلي عن جامعاتهم، وعن هواجس تأمين مستقبلهم، للنزول إلى أرض معركة قد يخسرون فيها الكثير. فيما يعتبر كل من الأطراف المتناحرة فيها أنه خرج منها منتصراً.


مصالحاتهم أوهام لا يعوّل عليها

يضحك أحد مقاتلي المعارضة عندما تسأله عن أثر المصالحات السياسية على مستوى رؤساء الأحزاب، لأنهم «يكذب بعضهم على بعض» كما يؤكّد، مضيفاً «السياسيين بيكذبوا. مصالحتنا أنا وجيراني أصدق». في السياق ذاته، يعتبر أحد شبّان الموالاة، أن ما جرى من مصالحات كانت «لضرورات سياسية وخارجية فقط، أمّا في الداخل فالناس مش قابضتا». مع مرور عام على أحداث 7 أيار، عادت الكثير من العلاقات التي انقطعت في الجامعات بين الشبان، لتنسج من جديد، لكن مع تجنّب النقاشات حول الماضي، فمعركة السابع من أيار مدفونة في مكان ما من الحقيبة السوداء في الذاكرة، وموضوعها محرّم لتفادي إحياء غضب البركان الخامد المهدد بالاشتعال مجدداً لارتهانه للظروف السياسية المتقلبة.