استهلاك كميات كبيرة من المأكولات يساهم في زيادة الوزن، هذا الكلام لا يبدو جديداً، ولكن أخيراً حُدّد دور هذا العامل في زيادة انتشار البدانة، وتبيّن أن ممارسة نشاط رياضي لا تكفي وحدها لمحاربة هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى «وباء» في أدبيات العلماء في الولايات المتحدة وزملائهم في الدول الصناعية
غادة دندش
أكّدت مجموعة من الباحثين الأوروبيين والأوستراليين والأميركيين أن البدانة Obesity تعود إلى كمّية الطعام التي نتناولها، أكثر ممّا تنتج من غياب التمارين الرياضية من حياتنا اليومية. هذا الخبر أوردته صحيفة الـ ScienceDaily. للمّرة الأولى تبحث مجموعة من العلماء، عبر تجارب وإحصاءات أجرتها، عن تحديد النسب الدقيقة لمساهمة كل من كمّية الطعام المستهلكة يومياً من جهة، وعدم ممارسة أي نوع من الرياضة من جهة أخرى، في ارتفاع وزن الفرد الراشد أو الطفل. وتفيد الدراسة التي قُدّمت خلال المؤتمر الأوروبي للبدانة، بأنه رغم معرفة الأطباء منذ زمن طويل بأن خفض نسبة الطعام ورفع كمّية الرياضة يساهمان في مساعدة الإنسان على ضبط وزنه، لكن أحداً لم يدرس قبل اليوم حجم المساهمة الدقيقة لكل من هذين العاملين في ضبط الوزن ومحاربة البدانة.
تأتي أهمية هذه الدراسة بسبب انتشار ظاهرة البدانة في السنوات الأخيرة بين الأطفال والراشدين، لا سيّما في الدول الصناعية.
تأتي الولايات المتحدة على رأس الدول التي تعاني هذه الظاهرة، وقد بات العلماء يطلقون فيها على ظاهرة البدانة اسم «وباء البدانة»، ومن أهم الأسباب تصدير الأسلوب الغذائي الأميركي إلى العالم عبر مطاعم الوجبات السريعة والمواد الجاهزة للاستهلاك، بعد طهوِها قليلاً، قد يجعل من هذه الآفة «وباءً» عالمياً في العقود
المقبلة.
البروفيسور بويد سوينبرن ترأس فريق العلماء في هذا البحث ومدير مركز مكافحة البدانة العالمي في أوستراليا، وقال إنه «يبدو أن التغيير في العادات الرياضية يلعب دوراً بسيطاً في ضبط الوزن، بالمقارنة مع دور كمّية الطعام التي يستهلكها الفرد في رفع وزنه». وقد بدأ الفريق بإجراء دراسته على 1399 راشداً و963 طفلاً. وحدّد أعضاء الفريق في البداية كمّية الوحدات الحرارية التي تحرقها أجسام هؤلاء خلال ممارستهم نشاطاتهم الحياتية العادية. بعد انتهاء المرحلة الأولى من التجربة حدّد سوينبرن وزملاؤه الكمّية التي يحتاج إليها الراشد ليحافظ على وزنه الطبيعي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطفل. في المرحلة الثانية، جرت دراسة كمّية الطعام التي يستهلكها الأميركيون، وذلك من خلال الأرقام التي تظهرها لوائح المنتوجات الغذائية المستهلكة داخل الولايات المتحدة باستخدام عملية حسابية دقيقة. وقد دُقّق في هذه الكمّيات منذ عام 1970 وحتى بدايات القرن
الجديد.
في المرحلة الثالثة، استخدم العلماء الأرقام التي باتت متوافرة لديهم من أجل محاولة التنبؤ بالزيادة الوسطية التي طرأت على وزن الأميركيين (وسواهم) خلال السنوات الثلاثين الماضية. وأكّد سوينبرن أنه إذا تطابقت النتائج الحسابية مع الأرقام الواقعية، فإن ذلك يعني أن كمّية الطعام المستهلكة تلعب الدور الوحيد في زيادة الوزن، وأن التمارين الرياضة لا تملك أي تأثير على البدانة.



النتائج التي قدمها فريق البحث كانت على الشكل الآتي: بالنسبة إلى الأطفال لا تلعب النشاطات الرياضة أي دور في محاربة البدانة، فقد تطابقت الأرقام التجريبية مع الأرقام الواقعية كلياً. أما بالنسة إلى الراشدين فقال سوينبرن إن الفريق تنبأ بأن تبلغ زيادة وزن الفرد خلال السنوات الثلاثين الماضية نحو 10.8 كلغ، لكن تبيّن أن الرياضة لعبت دوراً في خفض هذه النسبة فبلغت زيادة الوزن 8.6 كلغ. هذا يعني أن ممارسة نشاط رياضي تساهم في محاربة البدانة لدى من يستهلكون كميات كبيرة من الطعام بمعدّل 10% تقريباً.
هذه النتائج تعني أن عمليات محاربة البدانة يجب أن ترتكز على خفض كمّية الطعام العالي الوحدات الحرارية، أكثر منه على ممارسة الرياضة. لكن سوينبرن نبّه إلى خطورة إهمال النشاطات الرياضية لأنها ذات فوائد أخرى حيوية تساهم في المحافظة على صحّة الأطفال والراشدين على السواء، كما أنها تساهم، ولو بدرجة بسيطة، في ضبط الوزن لدى الراشدين. ولفت إلى أن النتائج التي قدّمها فريقه تتحدّث عن أهمية عاملي استهلاك الطعام والرياضة بالنسبة إلى محاربة البدانة فقط، لا بالنسبة إلى الحالة الصحّية العامة للفرد. الوباء الأميركي هو نتيجة أسلوب غذائي يعتمد على النشويات والبروتينات كثيراً، ويهمل الخضار والفاكهة والسوائل الطبيعية. هذا الأسلوب قد بدأ يعمّ «وبائياً» في مختلف أنحاء العالم ومن ضمنها منطقتنا. لذا يرجّح الباحثون أن العالم كله سياعني بعد فترة وجيزة ما يعانيه الأميركيون، إذا لم يضبط المعنيّون نوعية الطعام وكمّيته.