خالد صاغيةكانت البلاد تبحث عن منقذ، فجاءها رجل ديناميّ حمل معه وعوداً ورديّة. لم يكن الرجل عند حسن ظنّ مواطنيه. ترك مقعده الرئاسي بعد عشر سنوات والديون متراكمة على الدولة، والفساد مستشرٍ بطريقة فاقعة. نزل الناس إلى الشوارع. قرعوا الطناجر. وطالبوا بحكم جديد.
طارت رؤوس وجاءت رؤوس مكانها. تدخّلت الدولة لكبح جماح السوق. تحسّنت مؤشّرات كثيرة. إلّا أنّ ثقافة الفساد بقيت منتشرة. دخلت في صميم التركيبة السياسية والاجتماعية. بات يُحكى عن الفساد كأنّه جزء من الحياة اليوميّة. واحتلّت البلاد المرتبة التاسعة بعد المئة على لائحة الفساد العالمية. حتّى مغنّو التانغو مجّدوا الفساد قائلين: «من لا يطلب شيئاً لا يحصل على شيء، ومن لا يسرق شيئاً يكن أخرق».
تقف تلك البلاد على عتبة شهر من الانتخابات التشريعيّة. السياسيّون الذين يظهرون على الشاشات لا يتمتّعون بثقة الناس. إنّهم متّهمون بالفساد قبل أن ينبسوا ببنت شفة. يبحث المواطنون عن وجه يُهدون إليه أصواتهم فلا يجدون. بات المجتمع هائماً يبحث عن بطل، فوجده فجأةً في سائق تاكسي باتت قصّته على كلّ لسان. ذات يوم من أيّام نيسان، نسي أحد الركاب حقيبة يد على المقعد الخلفي. فتحها السائق، فوجد فيها مبلغاً كبيراً من المال. فكّر لبرهة بقرض سيّارته، لكنّه سرعان ما قرّر إبلاغ الشرطة، وإعادة الحقيبة إلى صاحبها.
صاحب الحقيبة قال له: «أنت قدّيس» وأعطاه مكافأة. أنشئ له موقع على الإنترنت زاره 55 ألف شخص تحت عنوان «أعيدوا المال لسائق الأجرة». فبدأت الهدايا تُغدَق على السائق. كتب له أحد الزوّار: «ما دام هناك مواطنون مثلك، لدينا أمل بإنقاذ البلد». وقال آخر: «لو كان ساستنا يتمتّعون بـ10% من شهامتك، لكنّا بألف خير!». وقدّم آخرون للسائق إطارات جديدة لسيّارته وبذلة وزجاجة نبيذ، فيما دعاه البعض إلى قضاء عطلة في ساو باولو وميامي ونيويورك...
ليست هذه القصّة خياليّة. لقد حدثت فعلاً مع المواطن سانتياغو غوري (49 سنة). أعاد إلى بلاده إحساسها بقيم كادت تنساها، فتنبّهت إلى أين قادتها الطبقة السياسيّة، إلى أي منزلق اقتصادي، سياسي، و...أخلاقي. وكان ذلك في بيونس آيرس على بعد 12 ألف كيلومتر من بيروت.