أحمد محسنI
كل شيء هو استعارة. الزمن ليس إلا تدحرجاً مستمراً نحو النهايات، التي لا تنتهي فعلاً. ظاهرة الأزل، نبوءة الأجنحة باختراق السماء، ومرور الأجساد المبهم في الظلال. كل شيء هو استعارة. ساعة الحائط سوف تزول. المساء يخطف معاني الضوء. البقاء لرذاذ الذاكرات. سوف يموت العالم. سوف تنقرض الدببة الضخمة. ستضج الأرض بالتراب. ينهمر البشر من أعلى، والمطر يسكن الأكواخ. هكذا أيضاً، يصبح جفاف البحر ممكناً.
II
حين تتشظّى العين، وحين ينكفأ الرحيل، نبكي. نعبر كراماً أو أذلاء ـــــ لا فرق ـــــ إلى الاحتراق، في كتب تقّدس أبناء جيلنا، ولا تذكر آثار نظرنا في العبور. نحن، كتلك الفتاة التي ينسدل كتفاها، نحو الأرض، ويحارب صدرها عيون الرجال بالاهتزاز. للتوّ مرّت من تحت الشرفة، وترنّح خصرها كمحارب مهزوم. نحن مثلها، محاربون بلا صدور ممتلئة. نرمي أوزار الرؤيا في قصاصات العبث. نأمل شيئاً من الابتسام. وخوفاً من الموت، نتأبّط البرد ذاته. الموت: بوحٌ طبيعي بالألم.
III
عبسَت هيفاء وهبة في وجهي، فعبست. أشعر بجسرٍ فاصل، بيني وبين الغبار العازل. عينها ليست حقيقية، ولا عنقها. خاطبتها ولم تسمع. لم يكن ذلك لأنها مجرد صورة. لطالما قلت في نفسي، لمَ لا أرسم نفسي؟ حين عبست هيفاء تذكرت. الصوّر ليست مرايا، ولولا نرسيس، لبقيت صورنا مجهولة لنا، رغم براعة الكاميرات. الماء يتحرك مثلنا، أما العدسات، فمبرمجة بالزجاج والبلاستيك المقوّى. نحنُ، في المرايا، مجرد انعكاس باطل، لأعضاء مجموعة من مزيج فيه الروايات التاريخية، وحقائق علم الأحياء الرتيبة.
المرايا لا تنقل المشاعر. لا تنقلها إلا عين أخرى أو عاصفة. وفي الصور، كلنا متشابهون. نبحث عن بهلوان زائف. ومنا، من لا يخجل من نفسه، إذا رأى وحشاً في وجهه.
IV
كريس بوتي يعزف، وأنا أبكي.
V
كأن العالم مسجون في كرسي كحلي. أعد فيه القصائد. أحلم بساقية تتعذب، وصوت مكتمل كوسادة. أفشل كحيوانٍ يحتضر. الأرض ضيقة الأزقة، والناس غرقى الأخلاق، ونحن في صالة. كنت أخوض حرباً، أشعلتها مع فم بجانبي. ما أجمل الهزائم، إذا اكتملت الرائحة.
VI
غير قادر على انتزاع تلك الأم من رأسي. نمت تجاعيدها بسرعة بعدما اختفى ابناها. أخذت ملامحها بالذبول، كالخريف. غادرت أخيراً، وكان ذلك سريعاً. أتذكرها كيف كانت تضحك، كيف كانت تتألم، وكيف أني يوماً سرقت وردةً من حديقتها، وكيف غادرت مسرعاً، قبل أن تلحظ دموعي.