صوت فريد في البرلمان المصري حيث فرض على زملائه مناقشة تصدير الغاز إلى إسرائيل. ابن بلطيم في الدلتا أراد أن يكون سينمائيّاً، لكن السياسة سرقته، والإرث الناصري دفعه إلى المعترك. المناضل الذي تعب من «الديكور الديموقراطي»، سيكون اليوم في الشارع، مثل كثيرين، تلبيةً للإضراب العام الذي دعت إليه أحزاب المعارضة، في 6 أبريل، يوم الاحتجاج والغضب

دينا حشمت
عندما تفتح القناة الأولى للتلفزيون المصري قد تشاهد مصادفةً إحدى جلسات مجلس الشعب، فتغتاظ من النواب النائمين، ومن نبرة صوت رئيس المجلس في دور ناظر المدرسة. لكن إذا كنت أوفر حظاً، فقد تشاهد بعض المشادّات بالأيدي قبل أن ينقطع الإرسال، أو مناقشات ساخنة تُخرجك من المشهد الهزلي العابث. قد تشاهد إحدى مرافعات حمدين صباحي، كتلك التي قام بها يوم «تسلّل» ليقحِم في استجواب لوزير البترول سامح فهمي سؤالاً لم يكن في جدول الأعمال، سؤالاً عن «جريمة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل». «نجحت في أن أفرض موضوعاً كانت مناقشته ممنوعة داخل البرلمان» يقول النائب الناصري.
قبل أن يُنتخب في مجلس الشعب عام 2000 في مواجهة شرسة مع قوات الأمن، كان حمدين صباحي صحافياً ناصرياً، في سجلّه النضالي معارك كثيرة قاده بعضها إلى السجن أكثر من مرة. دخل السياسة في جامعة القاهرة سنة 1972. لم يتردّد في اعتناق الفكر الناصري. «أظن أن هذا طبيعي بالنسبة إلى ابن فلاحين يحلم بعالم أفضل». كان يتصرف بتلقائية ويحظى بشعبية واسعة، فكسب انتخابات اتحاد الطلاب، ثم أصبح رئيس الاتحاد، ووقف ليرد على السادات في لقاء مشهور داخل الجامعة إثر انتفاضة الخبز سنة 1977.
لم يشغل أي منصب في منظمات النظام المتشعبة، فهو ينتمي إلى المعارضة، إلى الشارع. هكذا يعرض الفرق الجوهري بين «حركة الكرامة» التي أسّسها بعد طرده من الحزب الناصري، والحركة الناصرية الأم. «كان هناك دائماً تياران في هذه الحركة، تيار رجال الدولة الذين أصبحوا ناصريين كجزء من السلطة، وتيار مَن أصبح ناصرياً في خضم المعركة ضد السادات. مَن تربّى داخل جهاز الدولة لا يشبه بالضرورة مَن عارض الجهاز ذاته، في التظاهرات والسجون».
يروي حمدين أنّه دخل السجن أكثر من عشر مرات. كانت المرة الأولى سنة 1979، في زنازين «القلعة» الانفرادية القاسية. واعتقل سنة 1982، بعد التظاهرات ضد حصار بيروت، وسنة 1990 بعد تظاهرات مساندة العراق، وسنة 1997 بعد مشاركته في تمرد الفلاحين المستأجرين ضد تطبيق قانون الإيجارات الزراعية الجديد الذي أطاح مكاسب الناصرية.
«أنا ابن فلاحين»، يردد حمدين. ولد في بلطيم في الدلتا، من أب كان يملك قطعة أرض صغيرة، وهناك ترعرع «في زمن لم تعد فيه الأرياف مهجورة تماماً. رأيت الكهرباء تدخل بيتنا. قضيت طفولتي مع أغاني عبد الحليم حافظ وحفلات فرقة كفر الدوار للمسرح». في الانتخابات النيابية، أثبت لنفسه ولكل الطيف السياسي أنّ جذوره الحقيقية في بلطيم. بين حمدين والناس قصة حب طويلة. عندما تسمعه قد تنعته، من دون أن تخشى المبالغة، بـ «الشعبوي». «أنا رومانسي جداً في علاقتي بالناس. إيماني بالناس، بعد ربنا. ربات البيوت والصيّادون والشباب المتخرجون حديثاً هم من سمحوا لي بخوض معركة 1995». أثّرت هذه الانتخابات فيه أكثر من تلك التي أدخلته البرلمان سنة 2000، بسبب الاعتداء على ناخبيه وإطلاق الرصاص عليهم... و«في ذلك اليوم استُشهدت سيدتان».
هذه دورته الثانية تحت القبة. كان انتخابه انتصاراً بالنسبة إليه وإلى أهل دائرته في البرلس والحامول. نجح في دعم تظاهرات العطش من داخل البرلمان. بعدما طالب بإنشاء محطة لتنقية المياه في البرلس التي كانت تجلب المياه من على بعد 50 كيلومتراً من الحامول. جابت صور مسيرات النساء بالجراكن العالم كله، فاختصرت مهلة إنشاء المحطة من ثلاث سنوات إلى 10 شهور، يقول حمدين مفتخراً. لم يحسم بعد إذا كان سيترشح في الدورة المقبلة. «زهقت» يقول. يتحدث عما يسميه الـ «ديكو ــــ ديمو» أي الديكور الديموقراطي: «دوري ودور سواي في البرلمان هو أنّنا جزء من هذا الديكور. نؤدي دوراً يجعل الجمهور قادراً على الفرجة».
البرلمان يمكّنه على الأقل من ممارسة مواهبه الخطابية. قد ينزعج بعضهم مما يرونه تقليداً لـ «زعيم الأمة». لكن حمدين لم يفقد شيئاً من اندفاعه التلقائي، ولم تمنعه عضويته في البرلمان من المشاركة في التظاهرات ضد العدوان الأميركي على العراق سنة 2003، ومسيرات دعم المقاومة في لبنان في آب (أغسطس) 2006. وفي فجر أحد أيام كانون الثاني (يناير) 2008، انطلق إلى غزة ليدخلها من دون سابق تدبير، «في هذه الفترة المدهشة الجميلة التي لم يكن فيها حدود بين مصر وفلسطين، بعدما سقطت بإرادة الشعب الفلسطيني».
لدى عودته إلى القاهرة، كشف للرأي العام «مأساة تكدّس البضائع التي تبرعت بها ست البيت المصرية، (قنّينتا زيت و2 كيلوغرام سكر) آلاف الأطنان مرمية في شوارع العريش لأنّ السلطة المصرية لا تسمح بمرورها. وهو الوضع الذي ما زال مستمراً». لكن بعد عام تقريباً، أي في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) الماضيين، «كانت غزة أحوج إلينا وأنا وكثير من المصريين أحوج إلى أن ندخلها، لكن السلطات منعتنا، حتى كنواب، من ذلك». لم يكفّ حمدين لحظة عن المطالبة بفتح معبر رفح والتظاهر من أجل ذلك، لكنه رأى أنّ حسن نصر الله «لم يكن موفقاً أبداً في انتقاء تعبيراته» عندما دعا الشعب المصري إلى فتح المعبر، لأنّه «تجاوُز في حق شعب خرج إلى الشارع قبل أن يدعوه إلى ذلك حسن نصر الله».
يشرح حمدين الصباحي كيف يمكن الواحد أن يكون ناصرياً سنة 2009، بعد أكثر من ثلاثين عاماً من وفاة «الريس». «كان تعبيراً عن حلم الفقراء بأن ينهضوا، حلم أمة مفتّتة بأن تتوحّد، حلم المستعمَرين بأن يتحرّروا، وهذه أحلام لا تتبدّد». لا ينكر أنّ جمال عبد الناصر فشل في بعض سياساته. ليس دور الناصري أن يدافع عن أخطائه، بل أن يكمل مشروعه. الناصرية بالنسبة إليه «نظرية الثورة العربية» حسب عنوان كتيّب من تأليفه، هي «مشروع من أجل نهضة جديدة». اليوم، ما زال حمدين صباحي يكرّس وقته كله لهذا المشروع. يعترف في غمرة الحديث بأنّ زوجته سهام، رئيسة شبكة محو الأمية وتعليم الكبار، تحمّلت عبء عمله العام وانشغاله عن البيت، وعن ولديه سلمى المذيعة في قناة «دريم»، ومحمد الذي تخرج أخيراً من معهد السينما، معوّضاً أباه عن فشله في الالتحاق بالمعهد ذاته. «كان نفسي أبقى سينمائي»، يضحك حمدين الذي مثّل دور رئيس تحرير صحيفة معارضة في فيلم «الآخر» ليوسف شاهين. وكيل مؤسسي «حزب الكرامة» يحب الفنّ، وآخر ما استمع إليه في الأوبرا عمل كارل أورف «كارمينا بورانا»... لكنه وجد نفسه ذات يوم «مسحوباً من الحلم الشعري إلى العمل السياسي». لأنّ «أحلام الناس البسيطة المشروعة في أنّها تتستّر مش ممكن تتحقق إلّا بنضال شاق».


5 تواريخ

1954
الولادة في بلطيم في كفر الشيخ (مصر)

1974
رئيس اتحاد الطلاب في جامعة القاهرة

2000
انتُخب في مجلس الشعب

2003
اعتقل خلال التظاهرات ضد العدوان الأميركي على العراق

2008
أول نائب مصري دخل غزة في كانون الثاني (يناير)