Strong>عمر نشابةأعلنت المحكمة الخاصة بلبنان استقالة مقرّرها البريطاني روبن فنسنت يوم 21 نيسان الفائت، من دون أن يذكر بيانها أسباب الاستقالة. أجرت «الأخبار» في لاهاي تحقيقاً في هذا الشأن، بدأته بالاستماع الى رئيس المحكمة ومسؤولين فيها. جمعت معلومات متناقضة عن طبيعة العلاقة التي كانت تجمع بين المدعي العام بلمار وفنسنت، وتبيّن أن صداماً وقع بين الرجلين لأسباب مهنية

سألت «الأخبار» رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي:
ما سبب استقالة المقرّر روبن فنسنت؟
أعتقد أنها أسباب شخصية وعائلية.

لكن فنسنت أنكر أن سبب استقالته يعود لأسباب شخصية وعائلية.
بالنسبة لي كانت الاستقالة لأسباب شخصية.

كانت هناك بعض الخلافات بينه وبين (المدعي العام الدولي دنيال) بلمار.
لست مطّلعاً على ذلك.

هل العلاقة بين فنسنت وبلمار مناسبة مهنياً؟
نعم. نعم. يمكنني أن أقول لك السبب. يمكنني أن أكون شاهداً مناسباً لأننا أنشأنا لجنة تتألف من المدعي العام ورئيس مكتب الدفاع ومقرّر المحكمة والرئيس. وكنا قد اجتمعنا ساعة الغداء وذلك بسبب ضيق الوقت. واتفقنا على أن الذي يدعو إلى الاجتماع هو المسؤول عن تأمين السندويشات والكولا أو المياه المعدنية. فاجتمعنا وكانت هناك نقاشات سلسة جداً. لكن، كانت هناك بالطبع خلافات وفي النهاية اتخذنا القرارات بالإجماع. مثلاً طلب مني بلمار أن أقوم بشيء ما لمصلحة المحكمة والادّعاء العام بالنسبة إلى نيويورك فاستجبت إلى طلبه مباشرةً، وروبن فنسنت كان موافقاً. إذاً كان هناك توافق تام، لم تكن هناك ... لم تكن هناك ... كانت هناك فقط... ليست خلافات بل وجهات نظر مختلفة وتمكنّا من تبسيط الأمور.
جالت «الأخبار» خلال الأسبوع الماضي على طبقات مبنى المحكمة، وسألت كلّ من أتيح لها مقابلته عن سبب استقالة فنسنت، إذ إن المحكمة لا ترغب في إصدار بيان صحافي تشرح فيه الأسباب الحقيقية للاستقالة، ويفضّل المسؤولون فيها الذين تحدّثوا عن الأمر عدم ذكر أسمائهم بسبب عدم رغبتهم في «زيادة الاحتقان داخل المؤسسة بين المقرّر والمدّعي العام» بحسب أحدهم، إذ إنه «تمّ تجاوز المسألة عبر استقالة روبن فنسنت». وتابع المسؤول الرفيع في المحكمة قائلاً: «من الأفضل أن يستقيل المقرّر بدل المدعي العام، فاستقالة المقرّر أقلّ ضرراً». كما شرح أن التوتر بين الرجلين كان قد بدأ قبل انطلاق عمل المحكمة في لاهاي وأن السبب الأساسي ليس سياسياً أو شخصياً، بل «يتعلّق بعدم التكافؤ بينهما»، إذ إن فنسنت يتمتّع بخبرة واسعة في عمل المحاكم الدولية. فهو عمل في محاكم سيراليون ويوغوسلافيا السابقة وكمبوديا، بينما خبرة المدعي العام دنيال بلمار في القضاء الدولي محدودة، وهو قضى معظم حياته المهنية في كندا. وأدى «عدم التكافؤ» على ما يبدو، إلى اختلاف في وجهات النظر بين الرجلين، تطوّر خلال بعض الاجتماعات إلى نقاش حادّ لم يخلُ من التوتّرات العصبية. «لكن الأمور لم تؤدّ أبداً إلى خروج عن الأخلاق والاحترام المتبادل» يقول مسؤول آخر في المحكمة. وأعرب عن مفاجأته باستقالة فنسنت، إذ إنها لم تكن متوقّعة. غير أن المسؤول نفسه استبعد أن يكون فنسنت قد استقال لأسباب شخصية.
«النقاش الحادّ» بين فنسنت وبلمار تناول «قضايا مالية وأموراً تتعلّق بالأمن»، فرفض فنسنت بعض الطلبات التي تقدّم بها بلمار أخيراً والتي تستوجب ميزانية مالية كبيرة، شارحاً أن لجنة الإدارة الخاصة بالمحكمة في نيويورك قد لا توافق على هذه الطلبات. ردّ بلمار بنبرة عالية على فنسنت، ما لم يتقبّله الأخير. وعندما تكرّر الأمر شعر فنسنت بأن الأمور لن تسير كما يتوقّعها وأنه لن يستطيع التوافق مع بلمار، إذ إن هذا الأخير «لا يعرف كيف تجري الأمور على المستوى الدولي» فوجد نفسه أمام خيارين: إما أن يستقيل هو في هذه المرحلة الباكرة من انطلاق عمل المحكمة ويفتح المجال أمام نائبه الهولندي ليستبدله (ابتداءً من حزيران المقبل) أو أن يرفع الأمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ويطالب باستقالة بلمار لأسباب مهنية. اختار فنسنت أن يستقيل بهدوء.
وقال مسؤول ثالث في المحكمة لـ«الأخبار» إن بلمار كان قد عبّر عن انزعاجه من تأخر انطلاق عمل المحكمة بعد الأول من آذار، وخصوصاً لجهة التأخر في إقرار قواعد الإجراءات والأدلّة، ما أخّر طلب انتقال الاختصاص من السلطات اللبنانية إلى المحكمة الخاصة بلبنان نحو شهر بعد الموعد الرسمي لانطلاقها.
وأضاف المسؤول أن بلمار «وجّه اللوم إلى فنسنت وحمّله مسؤولية التأخير، ما أدى إلى تباطؤ التحقيقات وهو أمر لا يتحمّله بلمار». ويذكر في هذا الإطار أن بلمار كان قد طلب في كانون الأول 2008 من مجلس الأمن تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية مدة شهرين (كانون الثاني وشباط 2009) «ليتم انتقال اللجنة إلى لاهاي تدريجاً بدون توقّف التحقيقات».

لكن، هل بالفعل توقّفت التحقيقات بين الأول من آذار والعاشر من نيسان؟ عادت «الأخبار» بالسؤال إلى الرئيس كاسيزي:
هل أجرى بلمار كمدّعٍ عام أية تحقيقات خلال الفترة التي سبقت انتقال الاختصاص إلى المحكمة وبعد انتهاء عمل لجنة التحقيق الدولية؟
عليك أن تسأل بلمار.

لكنني أسألكم أنتم: هل كانت هناك أرضية قضائية لقيامكم بالتحقيقات خلال هذه الفترة الزمنية؟
يمكنك أن تجري تحقيقات خارج لبنان، ويمكنك جمع أدلّة في بلدان أخرى، ويمكنك الاتصال بسلطات بلد معين للحصول على أدلة محتملة، وهناك العديد من الدول والكثير من الأدلّة: أدلّة استنطاقية وأدلة مكتوبة، وخلال مدة الأربعين يوماً التي ذكرتها يمكن جمع هذه الأدلة في أماكن خارج لبنان. يمكن أن لديك شاهداً في أوستراليا أو في باريس.

لكن هذه مشكلة، لأن ذلك يعني أن هناك خلال هذه الفترة الزمنية سلطتين قضائيتين تعملان على القضية نفسها.
أليس كذلك؟

إنها قضية قانونية لا يمكننا حسمها الآن، ولا يمكننا أن نبدي رأياً فيها. نحن لا نعرف ما فعله بلمار. الأرجح أنه لم يقم بأية تحقيقات.


سييراليون لن تتكرّر