بيسان طيالمرأة ضحية، إنها الجملة التي تتكرر على مسامعنا عشرات المرات يومياً. لا أذكر متى سمعتها للمرة الأولى، ربما يوم ولدت، أو يوم تعلّمت المشي أو يوم نطقت بكلمتي الأولى. كبرت وحفظت هذه الجملة وكأنها حقيقة علمية، المرأة العربية مظلومة والرجل العربي ظالم، ثم تتنوّع التحليلات، إنه ينزل بها القهر الذي يعانيه بسبب السلطة السياسية الفاسدة والديكتاتورية و.... أو أن المجتمع نفسه قد قسّم الأدوار تقسيماً رسمياً، الرجل جلّاد والمرأة ضحية.
أشياء كثيرة تدفعني إلى التشكيك في المقولة، المرأة مظلومة، وظالمة، لكنني نادراً ما فكرت في ما يمكن أن يعانيه الرجل، أو لنقل الشاب في مقتبل العمر.
وهل يمكن الجلاد أن يتألم؟ السؤال بذاته لم يخطر لي مرة واحدة.
أخيراً، استضافت خشبة مسرح المدينة في بيروت عرض مونولوج كوميدي لجوني الحاج، عنوانه «أنا رجّال»، في لافتة الإعلان عن المسرحية، نقرأ الجملة التالية «كتير صعبة الواحد يكون رجّال بمجتمع شرقي... عن جد صعبة».
يحكي الحاج وجعه مما أورثه إياه مجتمعنا، من الالتزامات التي رميت على كاهله لأنه «رجّال»، من علاقته بالمرأة كما تحددها مفاهيم مجتمعنا، من صورة الأنثى كما يُراد لها أن تكون.
الرجل يشعر بألم إذاً، الجلاد المفترض، أو «الجلاد حكماً» وفق الوصية التي أصمت آذاني طويلاً، هذا الظالم مظلوم.
الحاج من بين قلة يجرؤون على الإفصاح عما يدور دواخلهم، عن أسئلة «يترفّع» عنها آخرون أو يحتالون عليها، لماذا يجدر بالشاب أن يتعب ويكد ويجهد في تأمين كل متطلبات الفتاة؟ سؤال مشروع، وإن لم يذهب الحاج بعيداً في سؤاله، وسخريته فإنه لفت نظري إلى الوجه الآخر للطاغية (الرجل طبعاً، وهل من طاغية غيره في المجتمع العربي؟ هل من طاغية امرأة على أرضنا الممتدة من المحيط إلى الخليج؟).
من نافل القول، أن قواعد اللياقة لم تعد تُطبّق في عدد من المدن العربية، لم يعد غريباً أن يكدس الشاب المال في البنك فيما تقوم حبيبته بدعمه، أي إنها من يدفع الحساب في النزهات والمطاعم والملاهي الليليّة.
ولكنّ التزامات وصوراً نمطية أخرى تكبّل الشاب، تؤلمه، ونحن كنساء في حاجة إلى أن نسمع، ولو مرة شكوى «الطغاة».
قبل الحاج بشهور قليلة، قدّم جو قديح مسرحية «حياة الجغل صعبة»، هو أيضاً انتقد الصور التي يعيش الشبّان في أسرها، الشبان الذين يرغبون في أن يكونوا من صيّادي النساء. لكي يصطاد الشاب (الجغل) فتاة عليه أن ينضوي من جديد تحت لواء الأفكار المحافظة نفسها، تلك التي يحاول في لهوه أن يتمرد عليها.
بين «الضحية» و «الجلاد»، قد نحتاج إلى لغة جديدة للتواصل، إلى طرح مختلف، طرح يقوم على بحث الأسئلة التي تؤلمنا، مفاهيمنا، واقعنا كجيل مشدوه بالحضارة الأميركية من جهة، وباللغة الإنكليزية وثقافة استهلاك التكنولوجيا، ولكننا في حقيقة الأمر نعجز عن مراجعة مفاهيم أساسية ورثناها عن أمهاتنا أو جداتنا.
فلنُعد البحث في حقيقة التصنيفات التي أطلقناها، في الأدوار التي وزعناها على الرجال والنساء، والصور التي نسجن أنفسنا في إطارها.