عمر نشّابةالصيغة الأساسيّة لمشروع إنشاء محكمة خاصّة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عُرضت عام 2006 على مجلس الوزراء تحت عنوان «محكمة ذات طابع دولي». غير أن تعذّر إجماع اللبنانيين على الحكومة آنذاك أدّى إلى تفرّد رئيسها بمطالبة مجلس الأمن الدولي بالعمل على جعل «المحكمة الخاصة للبنان أمرا واقعاً». وشكا رئيس الحكومة للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك «رفض رئيس مجلس النواب عقد جلسة للمجلس يصدِّق فيها رسمياً على النظم الأساسية للمحكمة وعلى الاتفاق الثنائي مع الأمم المتحدة».
كان ذلك عام 2006. أمّا اليوم، فيعلو شعار «كلّنا مع المحكمة الدوليّة!». طبعاً، ولا عجب في ذلك. فكما كان جميع السياسيين، بدون استثناء، ولا يزالون، يؤيّدون التدخل الخارجي في الشؤون السياسية اللبنانية بهدف وقف الحرب وتنظيم الدولة وانتخاب رئيس، لا تُستغرب حماستهم للتدخّل الدولي في الشؤون القضائية المحلية بهدف إدانة القاتل قانونياً. إلّا أنّ المفارقة تكمن في أنّ أكثر المتحمّسين لحكم الانتداب القضائي هم الذين يرون أنّه سيدين جهة خارجية كانوا من أكثر المتحمّسين لتدخّلها في الشؤون السياسية اللبنانية خلال المرحلة السابقة.
الضحيّة الرئيسيّة في جريمة 14 شباط 2005 أتت إلى الحكم عن طريق تسوية خارجية تمّت في مدينة سعودية بتنسيق سوري ورعاية أميركية. وكما كانت الولادة السياسية برعاية دولية، فإن التحقيق في الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة رئيس الحكومة الأسبق انطلق على يد محقق إيرلندي وثانٍ ألماني وثالث بلجيكي، إلى أن وصل الملفّ إلى مدّع عام كندي في مقرّ محكمة هولندي ينظّم شؤونها مسؤول بريطاني. وكما كان تعامل ضباط الاستخبارات مع مكتب المدّعي العام اللبناني في السابق، كذلك هو تعامل المحقّقين الدوليّين مع الدولة اللبنانية. ففي المرحلة السابقة، أصدر ضباط غير لبنانيين توصيات إلى القضاء اللبناني بتوقيف بعض الأشخاص. كذلك أوصى الرئيس الألماني للجنة التحقيق بتوقيف أربعة قادة أمنيّين. ونُفّذ الأمر دون تردّد أو شكّ أو تراجع، عن اقتناع أو خشيةً من الموت أو الإبعاد أو الإدانة الجماهيرية.
الجمهورية اللبنانية تتعرّض لمزيد من الانهيار. وبدل أن تتضافر الجهود لإصلاح القضاء وتطويره وتجهيزه، تلتفت كلّ الأنظار نحو القضاء الدولي ويزول الاهتمام بالتشكيلات القضائية.