يحلم أطفال مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية كأقرانهم بأن يكبروا وأن يتخطّوا إعاقاتهم التي لن تقف في طريقهم ليمارسوا مهناً وهوايات يحبونها. يطلق الأطفال العنان لمخيلتهم لترسم صوراً ترضي رغباتهم
سمية علي
في أحد صفوف مؤسسة الإمام الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل، يجلس التلامذة في مقاعدهم. يدركون من الأصوات أنّ ضيفاً دخل القاعة، فيوجهون رؤوسهم إلى مصدر الصوت. من أمكنتهم، يستمعون إلى ما تقوله المعلمة. تسأل نفسك: ترى أي صور يتصورون للكلمات التي تقولها لهم؟ ثم تخلص إلى «نتيجة» أنّهم ربما يرسمون في مخيلتهم «صوراً» لا نستطيع نحن إدراكها. لا يرون الألوان أو الأشكال؟ حسناً، لكن ذلك لن يمنعهم من الحلم. فبماذا يحلم هؤلاء الأطفال أن يصبحوا «بس يصيروا كبار»؟
يحلم علي سماحة (11 عاماً) بأن يغنّي لوطنه، يقول بابتسامة خجولة، «مع أني لا أستطيع أن أرى طبيعة لبنان الجميلة التي تُحدثنا المعلمة عنها، فسأغني له عندما أكبر كما يفعل مارسيل خليفة».
يقول محمد نزال (6 سنوات) «أريد أن أكون مقاوماً عندما أكبر فأدافع عن الناس». ثم يتابع بإصرار «ورح صير كمان مهندس وعمِّر بيوت حلوة وكبيرة للناس وحدّا جنينات ليلعبوا فيا الولاد». يبتسم علي سماحة لحلم صديقه ويقول إنّه لن يكون مغنياً فقط بل سيصبح مترجماً، لأنه يحب اللغة الإنكليزية، وبذلك ربما يكون المترجم الخاص للسيد حسن نصر الله»!
«عندما أصبح كبيرة أريد أن أكون أمّاً وأن يكون لي أطفال»، تقول أليس بدران (5 سنوات) وهي تبتسم. وتضيف أنّها ستكون معلمة أيضاً و«سأشتري الكثير من الكتب والمجلات لأقرأ فيها عندما أستطيع رؤية الأشياء كالآخرين». أما حسين سليمان (5 سنوات) الدائم الحركة والمشاغب الكبير ،كما تصفه المعلمة، فيقول إنّه يحلم بدراجة نارية كبيرة وسريعة ليقودها هو وصديقه المفضل محمد. يصمت حسين فجأة ليضيف «بس صير كبير مثل البابا عيوني رح يكبروا ورح صير شوف فيهن وبعدين بسوق الموتوسيكل وبجيب سيارة كمان». ويفكر عون صولي (11 عاماً) بالطريقة نفسها إذ يؤمن بأنّه عندما يكبر سيتمكن من رؤية الأشياء بطريقة أوضح، وبالتالي سيحقق رغبته بأن يكون رساماً شهيراً يرسم كل الأشياء الجميلة وأمّه التي يحبها كثيراً.
تقترب نور فتوني ( 12 عاماً) وتقول بصوت خفيض إنّها عندما تكبر ستصبح مهندسة ديكور وستبني قصراً لها ولعائلتها ولن تنسى الأطفال الفقراء كما يفعل الناس اليوم! لزينب الطويل (5 سنوات) حلم من نوع آخر، إذ ترى نفسها دائماً على المسرح «فراشة جميلة تطير ويصفّق لها الجميع».
«أحلام الأطفال كبيرة ولو كانوا من ذوي الحاجات الخاصة»، تقول مديرة قسم في مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية عالية الصغير. وتضيف أنّه في بلد كلبنان «نتمنى أن تصبح هذه الأحلام حقيقة». وتقول الصغير إنّ الاعتماد يكون على النشاطات التي تقوم بها بعض اللجان الشعبية للمطالبة بحقوق الطفل. أما المؤسسة فتحاول تحقيق اندماج هذه الفئة من خلال قسم التوظيف الذي افتُتح منذ ثلاث سنوات.
لم يكتف جاد سماحة (11 عاماً) بالتحدث عن أحلامه، بل طالب الدولة بما هو حق له ولكل الأطفال المكفوفين عبر «الاهتمام بالمكفوفين وتأمين الوسائل والتجهيزات اللازمة لكي نمارس حياتنا الطبيعية. أريد تحقيق أحلامي عندما أصبح كبيراً!».


بدي شوف الماما

تتلمس فدك حيدر (4 سنوات) وجه والدتها كي تتعرف إلى ملامحها. تطلب منها المعلمة أن تغني فتردد بصوتها الرقيق أغنيتها المفضلة عن المطر. عندما تنتهي تقول إنّها تريد أن تركض مع أصدقائها من دون استخدام الآلة التي تساعدها على السير. كما أنّها «لما تكبر» تتمنى أن تستطيع النظر إلى الشمس وأن ترى السماء ووجه معلمتها و«بحب شوف الماما كمان لإنو هلق ما عم فيي شوفا»