فادية حطيطإن جمهور المعلمين هو أصعب جمهور. هذا ما فكرت به وأنا أستمع إلى كلمات يلقيها مسؤولون عن حقوق الطفل. المناسبة هي لقاء مع المعلمين ولجان الأهل من أجل التدريب على حقوق الطفل بتنظيم من اليونيسف واللجنة الوطنية لليونسكو. عرض المتكلمون اتفاقية حقوق الطفل وما تضمنتها من بنود، وأهمية تبني الأهل والمعلمين لها، واعتبار أن لدى الطفل حقوقاً لا حاجات فقط. وبينوا أن الطفل في عرف الاتفاقية هو كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة، وعلى الدول الأطراف أن تضمن له الحماية والرعاية والسلامة والصحة، وتحترم مسؤوليات الوالدين وحقوقهما وواجباتهما. وشددوا على مضمون الاتفاقية من حيث إن للطفل حقاً أصيلاً في الحياة، وعلى الدول أن تكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه، وتتعهد بالحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية، وتكفل له حق التعبير عن آرائه بحرية، والحماية من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية. وركزوا على أن من واجب الدول أن تعترف بحق الطفل في التعليم على أساس تكافؤ الفرص وعلى أساس احترام ذويه وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه. كما أن على الدول أن تعترف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه، إلى العديد من الحقوق الأخرى.
استمع المعلمون بهدوء إلى ما يقال. حين حان وقت التعليقات، بعض المعلمات فاضت بهن الأمومة، فسألن كيف نحمي الأطفال من انتفاخ الأنا؟ أليس علينا أن نعلمهم حقوقهم معطوفة على واجباتهم تجاه الآخر؟ ثم انبرى أحدهم معرّفاً عن نفسه، أنا مدير مدرسة في باب التبانة. كان يكفي أن يقول ذلك لتتوقع بأن مداخلته ستثقب غلاف الكلام العائم. تكلم عن الفقر وعن الإهمال وعن أشياء كثيرة لا تستطيع النوايا الطيبة أن تؤمنها، وعن مدرسته التي على طفل الروضة فيها أن يطلع أربع وأربعين درجة يومياً للوصول إلى صفه، وهو حيال ذلك ليس بإمكانه أن يفعل شيئاً. وقف الثاني وقال أنا مدرستي في البقاع، ولأن المعلمين لدينا هم من المتعاقدين فليس يحق لتلاميذنا بساعات أنشطة لاصفية، لا رياضة ولا كمبيوتر ولا نادي ولا أي شيء. واشتكى من أن ثلاثة أرباع التلامذة هم من الفتيات، ولكن لا أحد يسأل إلى أين يذهب الصبيان ولماذا يتسربون؟ تكاثرت الأسئلة وانهمرت على المحاضرين. كيف لنا أن نؤمن حقوق الطفل؟ تقولون على الدول أن تؤمن هذه الحقوق فأين هي الدولة؟ جواب مسؤولة الجانب الدولي كان «نعم، علينا أن نراقب الدول الموقعة وأن نلزمها بتخصيص موازنة». أما جواب مسؤولة الجانب اللبناني فكان «كلنا مسؤول والدولة هي نحن». المعلمون سكتوا. هم يعرفون هذا الجواب جيداً ويعرفون أن الأجوبة حينما تكون شديدة المنطقية فإنها تخفي داخلها تزعزعاً تصعب مواجهته. سكت المعلمون، ما قالوه حتى الآن يكفي، غير أن صدى ما لم يقولوه قوي.