هل يعدّ نشر المعلومات الشخصية المدرجة على لوائح الشطب اعتداءً على الحرية الشخصية للمواطنين؟ القانون اللبناني لا يقدّم إجابة، فهل يكون الاستياء الذي أثاره النشر في أوساط كثيرين محرّضاً على النقاش؟
مهى زراقط
الضجة التي يشهدها أحد مقاهي الإنترنت في العاصمة بيروت منذ أسابيع، جديدة عليه. في العادة، يجلس كلّ فرد من روّاد المقهى خلف جهاز كومبيوتر ويبحر في عالمه الإلكتروني الخاص. قليلة هي المرات التي شارك فيها الروّاد الحديث عن موقع ما وجعلوا المعلومات الواردة فيه مادة للضحك. هذا ما نجح فيه موقع وزارة الداخلية اللبنانية منذ نشره القوائم الانتخابية في 10 شباط الفائت.
في المقهى المذكور، شبان لا تتجاوز أعمارهم الـ25عاماً، يبحثون عن معلومات تتعلق... بالفتيات. يسأل أحدهم: «صوفر، فيها مسيحيين شي؟ صديقي يقول لي إن الفتاة التي أخرج معها تكذب عليّ. هي تقول لي إنها مسيحية، وهو يؤكد أنها درزية». لا ينتظر إجابة، فالحلّ السحري بات في يده، نقرتان على موقع الوزارة ويحصل على الحقيقة: فلانة الفلانية. اسمها الثلاثي واسم أمها، تاريخ ميلادها، طائفتها، ورقم هويتها. وبمزيد من البحث يمكن الحصول على أسماء كل أفراد عائلتها الذين يحق لهم الانتخاب. «مش كذابة، مسيحية» يصرخ بسعادة، ويسأل كمن يبيع الخضار على الطريق: «شو شباب؟ حدا بيحب يعرف شي عن صاحبتو؟».
قد لا يعدّ المشهد أعلاه، بالنسبة إلى البعض، أكثر من «لعب ولاد» لا يستحق التوقف عنده، ويحلو لمحبّي المزاح أن يشبّهوه بموقع «فايسبوك الرسمي». لكنه يثير، في المقابل، حنق كثيرين يرون أن نشر المعلومات الواردة على القوائم الانتخابية، وتوافرها لكلّ من يرغب، يمثّلان انتهاكاً لحرياتهم الشخصية.
تعترض نوال، مثلاً، على نشر تاريخ ميلادها الذي تعدّه شأنا خاصاً بها: «لا أحب أن يعرف أيّ شخص عمري الحقيقي. هذا حقي». ولا يعجب جنان أن يعرف الجميع طائفتها، هي التي «تناضل» يومياً من أجل الخروج منها. تقول: «كنت ألتف على كلّ محاولات السؤال عن الطائفة وأنجح في ذلك لأن اسمي واسم عائلتي لا يساعدان على اكتشاف انتمائي. لكن هذا الموقع يقدّم المعلومات على طبق من فضة». ويذهب آخرون أكثر من ذلك عندما يتحدثون عن إمكان استخدام هذه المعلومات في تنفيذ جرائم سرقة أو انتحال شخصية.
يقول شادي، مهندس كومبيوتر، إن هذه المعلومات توفر على كلّ راغب في السرقة 70% من رحلة بحثه عن المعلومات، وخصوصاً إذا كان يتقن السرقة الإلكترونية. «ما هي المعلومات التي نقدّمها إلى المصارف مثلاً؟ أليست هي نفسها المعلومات المقدّمة مجاناً على هذا الموقع إلى كلّ من يرغب؟». يحكي عن «سرقة الهوية» (identity theft) التي تبدأ دائماً بجمع المعلومات الشخصية عن الضحية، وأبرزها الاسم الثلاثي، تاريخ الولادة، العنوان.
يتفق المعترضون على نشر القوائم الانتخابية إلكترونياً ـــ التي يرون أنها تنتهك حريتهم الشخصية ـــ على عدم وجود أيّ نص قانوني يدعم وجهة نظرهم. كما يثيرهم أن يكون كثير من اللبنانيين غير واعين حقهم في إبقاء هذه المعلومات خاصة. «لا أفهم كيف لا يجد الكثيرون في هذا الأمر فضيحة؟»، تقول إحدى المعترضات.
يعترف حقوقي وناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان بأنه لم يعر الأمر أهمية قبل طرح السؤال عليه، لكنه يتفهّم، في المقابل، هواجس المعترضين. ويشبّه اعتراضهم على نشر هذه اللوائح بالاعتراضات التي تقدّم بها مواطنون احتجاجاً على تثبيت كاميرات المراقبة عند مداخل البيوت. كما يذكّر بحكم قضائي صدر في لبنان عام 2006، نص على عدم جواز تثبيت هذه الكاميرا أمام مدخل بيت أحدهم «استناداً إلى الدستور اللبناني الذي نص على مبدأ حماية الحرية الفردية». وفيما يلفت الحقوقي إلى أن معظم دول العالم تتجه حالياً نحو سنّ قوانين تعزّز حماية الحقوق الشخصية، يشير إلى موادّ متعدّدة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تضمن «حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه، وتؤكد عدم جواز تعريضه، على نحو تعسّفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته».
لكن هل تعدّ المعلومات المنشورة إلكترونياً اعتداءً على الحريات الشخصية؟ هل هي حق شخصي لصاحبها؟ وما هي تحديداً المعلومات التي لا يجوز نشرها؟ نحمل هذا السؤال إلى مختصين في القانون، فتأتي الإجابات ضبابية. مثلاً، تعترف المحامية ماري روز زلزل بأنها لا تملك إجابة قانونية عن هذا السؤال، لذلك تحاول بدايةً قياس الأمر على نفسها: «شخصياً لا يزعجني الأمر». ثم لا تلبث أن تستدرك: «لكن من الممكن أن يثير هذا الأمر حفيظة آخرين، أفهم ذلك، وإن كنت لا أعرف تماماً ما هي المعلومات التي يعدّ نشرها انتهاكاً للخصوصية».
المحامية ماري غنطوس، تؤكد عدم وجود أي قانون يعالج هذه القضية، ويحدّد المعلومات التي يعدّ نشرها انتهاكاً للحريات الشخصية. لكن، في رأيها الشخصي، المعلومات التي نشرتها الوزارة لا تعتدي على الحقوق الفردية للمواطنين، «بل تعزّز الشفافية وتخفّف من إمكان التلاعب في الانتخابات». بل إن غنطوس تذهب أبعد من ذلك من خلال إعلانها أنها جزء من فريق يعمل على مشروع قانون «يسهّل الحصول على المعلومات من أجل محاربة الفساد»، لافتة إلى تضمنّه مادة خاصة «تجرّم الوصول إلى المعلومات ذات الطابع الشخصي».
- مثل ماذا؟
- الزواج مرتين مثلاً، أو الإفشاء عن وجود أمراض معيّنة في العائلة.
يتفق وزير الداخلية زياد بارود مع غنطوس في الرأي. يمكن فهم ذلك ما دامت فرداً من فريق عمله. لكن، بارود الذي يسمع الانتقادات برحابة صدر كما يؤكد، يجد أهمية في شرح الأسباب التي دفعته إلى نشر هذه اللوائح إلكترونياً «بعد تفكير». بدايةً، يقول إن نشر هذه اللوائح معتمَد منذ زمن، وكانت توزّع على كل من يرغب في الاطّلاع عليها، ورقياً أو على أقراص مدمجة. وتأتي عملية النشر هذه تطبيقاً لقانون الانتخابات وما تنصّ عليه المادتان 33 و34 من وجوب النشر (راجع الكادر). يشدد بارود هنا على كلمة «موجب النشر» لا مجرد الحق في النشر، ويبدو مقتنعاً به، ما دام الهدف الأساسي هو كشف الأخطاء الواردة في اللوائح وتصحيحها. يقول: «منذ نشر اللوائح في 10 شباط دخل الموقع مليونان و900 ألف زائر من أصل 3 ملايين و300 ألف ناخب محتمل وهذا دليل على الاهتمام، إضافةً إلى قيامنا بـ120 ألف عملية تصحيح».
ويوضح أن المعلومات المنشورة تلبي قانون الانتخاب: «إذا كان المواطن ينتخب بناءً على هذه المعلومات، اسمه الثلاثي واسم الوالدة والطائفة، فيجب نشرها لكي تصحح إذا وردت فيها بعض الأخطاء». رافضاً القول إن نشرها يمثّل اعتداءً على الحريات الشخصية. «العمر ليس سراً، وبالنسبة إلى الانتماء الطائفي، بات بإمكان كلّ من يرغب، التقدّم بطلب لشطب طائفته. حالما يبادر المواطن إلى هذه الخطوة تُسحب الطائفة فوراً عن الموقع الذي يخضع لتحديث يومي». باختصار، يجزم بارود بأن قرار النشر أتى بفائدة يقدّر نسبتها بـ 98% في مقابل 2% فقط مما يسميه «احتمال وجود هواجس تتعلق بانتهاك حقوق شخصية».


المادتان 33 و 34

تنص المادة 33 من قانون الانتخاب، الصادر في 8 تشرين الأول 2008، على الآتي: «قبل العاشر من شباط من كل سنة ترسل المديرية العامة للأحوال الشخصية نسخاً عن القوائم الانتخابية الأولية إلى البلديات والمختارين وإلى مراكز المحافظات والأقضية وسفارات وقنصليات لبنان في الخارج، بهدف نشرها وتعميمها، تسهيلاً للتنقيح النهائي، على أن يستلم المرسل إليهم هذه القوائم قبل 10 شباط كحد أقصى كي يدعوا الناخبين إلى الاطلاع عليها ويقوموا بتنقيحها وفق ما يتوفر لديهم من معلومات موثقة».
وتنص المادة 34: «تعلن الوزارة بواسطة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ضمن المهلة المذكورة في المادة السابقة عن جهوز القوائم الانتخابية. وتدعو الناخبين إلى الاطلاع عليها أو نسخها. ولهذه الغاية يتوجب على الوزارة أن تنشر القوائم الانتخابية الأولية ضمن المهلة ذاتها على صفحتها على الشبكة الإلكترونية، وتصدر أقراصاً مدمجة تتضمّنها ويحق لأي شخص أن يستحصل على نسخ عنها لقاء ثمن تحدده الوزارة».