إيمان جابر
ولد في عائلة لها خصوصية. كلا، الفقر لم يكن ميزةً، فـ«غالبية الناس كانوا فقراء»... كان الأب ريفيّاً، والأم مدينيةً، ومذهباهما مختلفين جمعهما تسعة أولاد، جمال أكبرهم، وبيت لا تتجاوز مساحته مئة متر. لم يتلقّ والده أيّ تعليم، باستثناء ما حصّله في كتاتيب الشيوخ، لكنّه كان رجلاً ذا نزعة تمرديّة، وحالماً كبيراً بالقومية العربية والعدالة الاجتماعية. لعلّه أورث ابنه هذه الأحلام، فكانت طفولته ملأى بالأعباء، وكانت أوقات اللعب أقصر مما يحتاج إليه الطفل العادي. في وقت باكر، مارس مهناً مختلفة إلى جانب الدراسة: اشتغل حداداً، وعامل مطبعة، وبائعاً جوّالاً، وعامل ديكور، وسمكرياً، وعامل تنظيفات في أحد المنتجعات السياحيّة... ومكّنته هذه المهنة الأخيرة من عشرة البحر وقتاً طويلاً.
حلم بالسياسة والرياضة ولم يمرّ الفنّ في باله أبداً. قصّة حياة إرنستو تشي غيفارا... كانت السيرة الذاتيّة الأولى التي يقرأها ولمّا يتجاوز الثانية عشرة بعد. مرةً، سمعه أستاذه المتديّن يحدّث رفاقه عن الاشتراكية، وكانت سوريا تعيش نهوضاً يسارياً كبيراً في مطلع السبعينيات. قال الأستاذ غاضباً: «قف جمال سليمان، أنت تتفلسف بكلام أكبر منك. هل تعرف ماذا تعني الاشتراكية؟» فأجاب جمال متحديّاً: «إنها الملكيّة الجماعية لوسائل الإنتاج».
حفرت هزيمة 1967 عميقاً في وجدانه ووعيه. شارع خالد بن الوليد في وسط دمشق حيث كان بيته، كان الشارع الوحيد الذي يربط سوريا بجنوبها. وقتئذٍ شاهد قوافل الجنود العائدة من الجبهة، مقهورةً مكسورةً. لكنّ حرب تشرين (1973) أعادت الأمل، ومنحته مهرجانات النصر الفنية التي واكبتها، فرصةً ليكتشف نفسه. يومها، أراد المشاركة في الغناء لأجل فتاة أحبها، لأنّها كانت مهتمة بالغناء والموسيقى. النشاز في صوته منعه من ذلك، فخرج حزيناً من الاختبار، لكنّ أستاذ الرياضة أنقذ الموقف واقترح عليه التمثيل في مسرحية مدرسية، تتحدّث عن عمليّة فدائيّة لمجموعة فلسطينيين، وأدّى جمال دور الشهيد!
على أثر تلك المصادفة، صار عضواً في واحدة من أشهر فرق الهواة المسرحية في سوريا آنذاك، وشاءت الأقدار أن يُفتَتح «المعهد العالي للفنون المسرحية» في السنة ذاتها التي حصل فيها على شهادة الثانوية العامة. تخرج من المعهد في حزيران (يونيو) 1981 وكانت سوريا تشهد اضطرابات بسبب الحرب في لبنان والمخاض السياسي العنيف الذي كانت تمرّ فيه.
في تمّوز (يوليو) من العام نفسه، عرض عليه السينمائيّ العراقي قاسم حول تجسيد شخصيّة دوف في رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا». وقّع العقد، أخذ السلفة، ولم تبق إلا مشكلة واحدة... الدور كان بالإنكليزية «وأنا لا أعرف حرفاً منها. كذبتُ على المخرج عندما سألني». وسرعان ما يضحك قائلاً «المفكر برهان بخاري أنقذني من هذا الموقف الذي وضعتُ نفسي فيه». إذ علّمه ودرّبه هذا الباحث الموسوعي السوري وخلال شهر حفظ دوره كاملاً. بعدها، قدّم الفيلم التلفزيوني «طرفة بن العبد» للمخرج غسان جبري ومسرحية «عزيزي مارات المسكين».
تجربته الغنيّة مع المخرج هيثم حقّي تعدّت العلاقة المهنية إلى صداقة استثنائية. «كنّا صديقين وتناقشنا كثيراً في الدين والسياسة والجنس والتمثيل». أثمرت تلك العلاقة أعمالاً مثّلت علامات فارقة في تاريخ الدراما السورية، مثل «هجرة القلوب إلى القلوب»، و«خان الحرير»، و«الثريا»... وغيرها من الأعمال التي صنعت نجومية جمال سليمان عربياً. في مصر، لم يعرفه إلّا العاملون في الحقل الفني، بحكم غياب الأعمال السورية عن الشاشات المصريّة. لهذا جاء نجاح مسلسله المصري «حدائق الشيطان» صاعقاً، وفتح له كل الأبواب مضيفاً إلى رصيده 80 مليون مشاهد عربي. بعدما أدّى دور مندور أبو الدهب، ذلك «البيه» الصعيدي، صار اسم جمال سليمان على كل لسان في مصر.
لكن هناك سؤال يطرح نفسه: ألا يحزنه أنّ كلّ الأدوار المهمّة التي أدّاها في الدراما السورية في أعمالٍ كـ«الناصر صلاح الدين» و«صقر قريش» و«التغريبة الفلسطينية»، لم تحقّق له ولو شيئاً من النجاح التجاري الهائل الذي بلغه في مرحلته المصريّة؟ «لا يحزنني ذلك لسببين: «حدائق الشيطان» ليس عملاً سطحياً... ثمّ إنّ مكانتي الفنية ليست من صنع هذا العمل حصراً». يرى جمال سليمان أنّ حسابات السوق غير حسابات الفنّ، ونجاح هذا العمل غَيَّر الكثير في المعادلة، بالنسبة إليه كممثل وعلى الصعيد العام، «بدءاً من ارتفاع أجر الممثل السوري وانتهاءً بالأعمال الفنية المصرية التي تنفذ في سوريا».
من أصعب مهمّات الفنان الذي يصل إلى النجومية في الوطن العربي، ألا يجعل ميوله الفنيّة تضيّق عليه مساحة العمل من جهة، وألا يجعل من متطلبات السوق مقصلةً يضع رقبته فيها من جهة ثانية. يعتزّ جمال سليمان بأعمال مثل «صقر قريش»، لكنّ «الجماهيريّة» شأنٌ أخر: «أنا نفسي لم أتخيّل هذا النجاح الجماهيري الكبير لـ «حدائق الشيطان». وعندما نصل إلى السينما، يسترسل جمال سليمان مسلّطاً الضوء على وضع الفنان السوري المحروم أي موقع جديّ في هذا المجال، بسبب غياب إنتاج سينمائي بالمعنى الحقيقي للكلمة في سوريا. «بعضنا كانت لديه الفرصة للبروز على الشاشة الكبيرة أكثر من سواه، ولو في إطار محدود»، وقد حظي هو بفرصة الظهور على الشاشة الكبيرة من خلال أعمال سينمائية كـ «الترحال»، «المتبقي»، «عائد إلى حيفا»، «حليم»، «ليلة البيبي دول».
أما الحياة، فلجمال سليمان فلسفته الخاصة فيها: «كنت أتمنى دراسة الفلسفة»... ولكن لو كان ممكناً تغيير ما مضى، لأصبحت الحياة غير منطقية وافتقرت إلى شيء من جمالها وحقيقتها: «أنا لا أرى الجمال في السعادة والنجاح فقط، بل أراه أحياناً في الحزن والألم». الحياة في نظره مسرحية تراجيدية... لكن على الطريقة الشكسبيرية، إذ تتخلّلها بعض مشاهد البهجة والراحة.
ألا تعرف الندم؟ يجيب بنبرة دافئة: «لم أفعل في حياتي أموراً تستوجب ندماً مقيماً». هناك أمورٌ تستوجب ندماً عابراً، لكنه يتعايش مع ندمه ويرى أنّه جزء من الماضي. عندما أدّى دور عبد الرحمن الداخل، منحته تلك الشخصية كممثل وإنسان الفرصة كي يبحر ويتأمل في فكرة أنّ «كلّ واحد منّا يكتب سيرته أو حياته بطريقة من الطرق، من خلال ما يفعله». ولأنه ممن يفعلون ما يقولون، ولأنّه مصمّم على أن يكون «مؤلّف» حياته، قرر الاستقالة من منصبه كسفير نوايا حسنة لـ«الأمم المتحدة» (صندوق السكان) احتجاجاً على موقف مجلس الأمن من عدوان تموز/ يوليو 2006.
عندما يصل الحديث إلى ما جرى في غزة، يفكّر في أنّه لا يستطيع الاستقالة مرة ثانية. فـ«أنا مستقيل». لكنّ ما قام به حينها، جاء تأكيداً على وجهة نظره بضرورة أن تعرف الأمم المتحدة «أننا نحتجّ كأشخاص وشعوب على ضعفها ورضوخها لمنطق القوة على حساب القانون والعدالة». يجب أن نميّز دائماً “بين علاقة الدول والحكومات بالمنظّمات الدولية وعلاقاتنا نحن بها كمجتمعات مدنية».


5 تواريخ

1959
الولادة في دمشق

1981
تخرج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» وأدّى أوّل أدواره في السينما مع قاسم حول (عائد إلى حيفا)

1988
حصل على الماجستير في الدراسات المسرحية ـــ قسم الإخراج من «جامعة ليدز» (بريطانيا)

1998
عُيِّن سفيراً للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة (صندوق السكان)... لكنّه استقال منه بعد 8 سنوات أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان

2009
بطولة المسلسل المصري «أفراح إبليس» من تأليف محمد صفاء عامر وإخراج سامي محمد علي... ويستعد لأداء شخصية إبراهيم باشا في فيلم «محمد علي باشا» للمخرج حاتم علي