عساف أبو رحاللم يعد الوصول إلى محلة «مزرعة السفينة»، الواقعة بين بلدتي الكفير ومرج الزهور في قضاء حاصبيا، صعباً. فقد سهّل شق الطريق التي تربط قرى حاصبيا بطريق المصنع الأمر، وشجّع على البدء بمشروع إعادة إعمار مقام النبي شعيب، التابع لأبناء الطائفة الدرزية، الكائن في المحلة.
تأتي هذه الأعمال لتعيد الحديث عن المزرعة التي كانت منذ عقود خلت عبارة عن قرية صغيرة أعطت اسمها للمكان. وقد كانت محطة زراعية مهمة في تاريخ القرى المجاورة، بدليل وجود أشجار زيتون قديم يقدّر عمرها بأكثر من ألف سنة. كما أن السهل التابع لها كان مصدراً لمختلف أنواع المحاصيل من الحبوب الموسمية التي تراجعت زراعتها ليتحوّل السهل إلى بساتين مغروسة بأشجار الزيتون. وإلى جانب القرية القديمة يتفجر نبع ماء دائم الجريان، كانت مياهه تذهب هدراً طيلة قرون مضت، ما عدا كمية قليلة تروي الزراعات من خلال قناة ري إسمنتية أنشأتها بلدية الكفير سابقاً في ستينيات القرن الماضي.
وتعدّ عملية إعمار مقام النبي شعيب بمثابة عودة لنبض الحياة إلى هذه المحلة المتروكة منذ أكثر من مئة سنة. وقد أوضح ممثّلا لجنة إعمار المقام، الشيخ حمزة أبو العز وفيصل نوفل أن المشروع الذي تموّله الحكومة القطرية يقسم إلى أربع مراحل. أنجزت المرحلتان الأولى والثانية منه، ولكنه توقف خلال المرحلة الثالثة «لأسباب تتعلق بالشركة المنفذة التي نأمل منها إعادة متابعة الموضوع». وأوضحا أن «هذا المشروع تتبعه إضافات، هي عبارة عن إنشاء مؤسسات اجتماعية وتعليمية وثقافية، مثل بيت اليتيم الدرزي ومدرسة ومأوى للعجزة، حيث هناك مساحات من الأراضي تسمح بإنشاء المزيد من المباني». وأكدا أن هذه المؤسسات «ستحظى باستقلالية في الإدارة والتمويل، وبالتالي توفّر فرص عمل للعديد من أبناء المنطقة. وتزيد مساحة البناء الحالي على 2000 متر مربع».
إذا اكتمل المشروع، يمكن توقّع عودة الحياة إلى هذه المحلة المهجورة منذ عقود، وخصوصاً أن عملية الإعمار تفرض وصل المزرعة بالتيار الكهربائي، إضافة إلى جرّ مياه النبع بواسطة قساطل إلى المقام، ما يعني إمكان تزويد القرى بالمياه بواسطة صهاريج، وخصوصاً في فترات الشح.
ويكشف أبو العز ونوفل عن خطة بيئية يحاولان تنفيذها للحفاظ على الثروة الحرجية القائمة وتحويلها إلى محمية طبيعية، مشيرين إلى أن المحلة ستشهد حركة زوّار بدءاً من الربيع حتى نهاية الصيف، «وستعود بمردود مادي لمصلحة عملية البناء غير المكتمل». ولفتا إلى الطابع الأثري للمحلة «الغنية بموجوداتها: فهناك النواويس المنتشرة في الحقول والمغاور المدفنيّة المحفورة في الصخر والمختلفة الأحجام والمقاسات والتي يضم بعضها عدداً من الغرف التي كانت تستعمل قديماً لدفن الافراد».
تتبع مزرعة السفينة لبلدة الكفير، وتعود ملكية الأراضي الزراعية فيها إلى أهالي قرى الكفير وعين عطا ومرج الزهور. أما النبع الموجود فيها، فتتقاسم ملكيته القرى المذكورة. ويعلّق الأهالي آمالاً على عودة الحياة مجدداً إليها، وخصوصاً أن اسمها ما زال مدرجاً على اللوائح الانتخابية.


تخريب للكهوف والمغاور

يلفت عدد من المزارعين العاملين في محيط «مزرعة السفينة» إلى أن الآثار الموجودة في المنطقة باتت تتعرّض لعمليات نبش وحفر وتخريب من قبل مجهولين ينجزون مهماتهم خلال ساعات الليل. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال أعمال الحفر التي تحصل عند مداخل هذه المغاور المدفنية، التي كانت تغطي جدرانها رسوم وكتابات دينية وتعرّضت لأعمال تخريب.
لكنّ المزرعة لا تزال تحتضن بقايا منازل قديمة بنيت زواياها من الحجر الصلب، وكهوفاً تضم أجراناً وفخاريات ومحادل، وتفصل بين جدرانها مادة طينية مكلسة، مما يؤكد سكن المنطقة في التاريخ القديم، خصوصاً وأنّ عشرات النواويس الحجرية المحفورة في الصخر تمتد مئات الأمتار في حقول الزيتون.