محمد هادي مكي من المَعيب سماع ما صدر في مؤتمر عاشوراء ــــ لمؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر الذي عُقد في بيروت أخيراً ــــ من كلمات كان حريٌّ بها أن تحافظ على عاشوراء الحسين، وتشجع على إحياء شعائرها، بل وتسهل السبل وتذلّل العقبات لتفسح المجال أمام محبّي الحسين، ليعبّروا عن ولائهم كيفما شاؤوا بالدموع والدماء وحتى بالأرواح.
وإنّه لمن المثير للدهشة أيضاً، سماع القيّمين على المؤتمر، يدعون للانطلاق مع عاشوراء في أبعادها المتنوعة، لأن المشكلة في رأيهم تكمن في أننا طيّفنا عاشوراء وحبسناها في قمقم عاداتنا وتخلّفنا الذي ليس فيه أية قضية... حتى شوّهنا صورة الإسلام باسم هذه العادات.
إلا أنهم مخطئون؛ فلولا عاشوراء الحسين لما وُجد في التاريخ مثال للثورة للحق بالحق، ولما وُجد نموذج للفداء والتضحية، ولولا الشعائر الحسينية لكانت ثورة الحسين رواية أنيقة بين جلدتين في مكتباتنا أو فيلم في خزانة الأفلام نقرأها أو نشاهده للتسلية وقضاء الوقت.
فعاشوراء الحسين، روح الإسلام واستمراره. ومجالس العزاء مدارسُ للتحرر من زخرف الدنيا ومعلم يرشد إلى قواعد الثورة ضد الظلم. ودموع الباكين وعيٌ بالمؤثر وباب للغوص في سمو باعث للحزن بمصابه ومظلوميته.
أما مشاهد اللطم والتطبير وضرب السلاسل والمسيرات ولوحات السواد، فهي أروع صور الاستعداد للتضحية ونصرة الحق وتطييب الألم للوصول إلى حالات الاستذكار الكامل فتحيا الروح وتُعد النفوس الثوروية.
ثم تريدون ضرب عرض الحائط بالشعائر الحسينية. أنتم واهنون لأن مشكلتكم ليست مع الشعائر بل تكمن مشكلتكم في إيجاد السبيل للتوحيد بين المسلمين، فارتأيتم أن ثمن هذا التوحيد هو استبدال الشعائر الحسينية، لما تميّزنا نحن الشيعة عن غيرنا، بالمناقشات والدراسات التي وبلا شك، سوف تجعل من الحسين حالة تاريخية تُجرده من المشاعر وتناقشه في زمانه وظروفه فتسامح أهل الظلم وتطوي صفحات الماضي لتنفتح على مختلف الأقطاب، فيما نحن في غنى عن اقتراحات وبدائل كهذه لأننا على الحق وبابنا مفتوح أمام كل الأقطاب المسلمة وغير المسلمة للمشاركة معنا في إحياء الشعائر الحسينية سبيلاً للتوحيد والانفتاح.
ألا يكفي ما ورد من فتاوى عظام مراجعنا تشجيعاً وتأكيداً على أهمية إحياء الشعائر الحسينية؟ ألا يكفي ما ورد من الزيارات والأدعية التي تحث على البكاء على الحسين ولعن أعدائه وقتلته؟ ثم تشكّكون في النصوص وذاك كتاب مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم يذكر أقوال أهل البيت في مصاب الحسين وبمصادرها. ولكن ماذا أقول سوى أنني بدأت أرى غبار قدوم المتوكل العباسي يعود من جديد.
أيها القائمون بالمؤتمر؛ كان حري بكم التأمل بالمسألة أكثر، فلا يجوز التهاون بالشعائر الحسينية، كما لا بد من مراعاة الجانب العاطفي والرسالي لعاشوراء معاً وإلا زالت وخرجت عن أهدافها.