الأسبوع الماضي، تناقلت وكالات الأنباء خبراً يفيد عن اصطدام قمرين صناعيين، الأول «سوفياتي» والثاني أميركي، هذه الحادثة لفتت انتباه العلماء، فحذّروا مجدداً من مخاطر النفايات الصناعية المنتشرة في الفضاء، فيما كانوا قد حذّروا سابقاً من مخاطر جدية على ملاحة الأقمار الاصطناعية العاملة والبعثات الاستكشافية
خضر سلامة
على مدى القرون الماضية، لوّث الإنسان التربة والهواء والماء... ولكن الجديد في العقود القليلة الماضية، تلويث الإنسان للفضاء أيضاً! ففي الفترة الفاصلة بين عام 1957، تاريخ إرسال القمر الاصطناعي السوفياتي «سبوتنيك»، وعام 2008، تمّ إرسال أكثر من 6000 قمر اصطناعي إلى الفضاء، أقلّ من 800 قمر منها لا يزال في الاستعمال... والعدد يزداد بمعدل يتراوح بين 200 و250 كل عام.
المشكلة ليست في الأقمار الاصطناعية، فبحسب إحصاءات مركز الدراسات الفضائية الفرنسية، فإن «نفايات» الصناعات الفضائية تجاوزت الـ 12 ألف قطعة لا تزال تدور حول كوكبنا، 80 في المئة منها على علوّ 2000 كلم، فضلات الفضاء الناتجة من بقايا الأقمار الاصطناعية المحالة إلى التقاعد، وعن عمليات انفصال المركبات الفضائية عن الصواريخ، تترك في الفضاء إذاً، مسبّبة تحويل محيط كوكب الأرض إلى كومة من النفايات.
الأسبوع الماضي شهد حادثة فريدة، القمر الاصطناعي السوفياتي، المتوقّف عن العمل، «كوسموس 2251» يصطدم بقمر الاتصالات الأميركي إيريديوم 33، ونتج من ذلك نشر سحابة من الحطام وتلويث أكثر مناطق الفضاء استعمالاً، والتي تحدد بأنها تقع على علو 800 كم من يابسة سيبيريا.

سجل تاريخي

لم تكن الحادثة الأولى التي تقرع جرس الإنذار، وتلفت انتباه العلماء إلى تلوّث الفضاء. لنستذكر بعض الأمثلة في هذا المجال، التلسكوب الفضائي هابل كان مراراً ضحية لإصابات بقطع فضائية صغيرة، كما حدث عام 1997 حين اخترقت شظية رادار التلسكوب، وفي جورجتاون في ولاية تكساس الأميركية، تحطّم خزان وقود مخلّف في الفضاء على سطح الأرض عام 1997. وعام 2001، سقطت قطعة من تيتان في الصحراء السعودية.
أما حوادث الاصطدام في الفضاء، فبدأت عام 1996 حين اصطدمت إحدى قطع الصاروخ الأوروبي آريان بالميكروساتلايت الفرنسي «سوريز»، وقد شهد عام 2005، اصطدام مخلفة صناعية صينية بمقذوفة «ثور» الأميركية.
وحسب دراسة لمركز Us Strategic command، تقدّر عدد المخلفات الأكبر من 1 سم بـ 300 ألف مخلفة، وبـ 30 مليوناً من المخلفات الأكبر من ملم واحد! والعدد في ازدياد يومي، تبعاً لدخول دول جديدة في التنافس على الفضاء، وتحوّل شركات الاتصالات والمؤسسات العسكرية في الاعتماد الزائد على إرسال أقمار اصطناعية جديدة وعدم إيجاد طرق للتخلص الصحي من هذه المخلفات.

ناقوس الخطر

في شباط من العام الماضي، عقد مؤتمر دولي في مدينة تولوز الفرنسية، وكان الهدف منه التوصل إلى دراسة جدية مخاطر التلوث الفضائي. التقارير التي رُفعت كانت واضحة في تحذيراتها، ومتشائمة في الإمكانات المتاحة لـ«تنظيف» ساحتنا الفضائية، «فعدا عن التلوّث، تشكل البقايا الفضائية مخاطر جدية على ملاحة الأقمار الاصطناعية العاملة والبعثات الاستكشافية» حسب التقرير الصادر عن المؤتمر.
فرناند ألبي، المسؤول عن ملف «المخلفات الفضائية» في المركز الوطني الفرنسي، قال في مقابلات صحافية إن «سرعة هذه المخلفات هي في حدود 8 كلم في الثانية الواحدة، وهي سرعة خطيرة»، ويتابع ألبي، «في كل رحلة فضائية، تجد الناسا (وكالة الفضاء الأميركية) نفسها مضطرّة إلى تغيير هيكل مركبتها بسبب تعرّضها لإصابات بشظايا تركها الإنسان في الفضاء، رغم أن هذه الهياكل متينة ومدرّعة!». ويختم قائلاً: «إلى جانب المخاطر على حياة رواد الفضاء وسلامة مراكبهم، هناك خطر اقتصادي تجاري على قطاع الاستثمار في الأقمار الاصطناعية».

سياسة التجاهل

ولكن الجهات الرسمية العالمية، لا تزال مصرّة على تجاهل المخاطر لهذا التلوث، ففي كانون الثاني 2007، قامت الصين بتجربة على درع بالستية ضد الأقمار الاصطناعية، ودمرت قمراً اصطناعياً في الفضاء، هذه التجربة وحدها، رفعت نسبة المخلفات العامة ومعها بنسبة 11 في المئة مخاطر الاصطدام لأقمار مراقبة الأرض «سبوت». التجربة حسب مركز البحوث الكندية، أنتجت 1500 فضلة صناعية.
ومنذ عام 2007، قررت الرابطة الدولية للتنسيق في موضوع المخلّفات الفضائية (IADC) إنشاء «مقبرة فضائية» للأقمار الاصطناعية، على أن تقوم المؤسسات الدولية المعنيّة في قرار غير ملزم بإرسال أقمارها الاصطناعية المنتهية من الخدمة، إلى مجال «أوربت» أبعد من الـ«أوربت» المستعملة، رغم أن هذا الحل لم يوافق التطلّعات والآمال، إلا أنه اعتبر خطوة أولى على طريق «الوعي» لمخاطر عبث الإنسان في محيطه الفضائي.