عمر نشّابةصدر تقرير لجنة تقصّي الحقائق الدولية لتحرّي أسباب وملابسات وعواقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 24 آذار 2005. كاتب التقرير ضابط شرطة إيرلندي يدعى بيتر فيتزجيرالد سمح لنفسه بالتشهير بالقضاء اللبناني. رحّب السياسيون يومها بالتقرير، أما القضاة فالتزموا قانون الصمت. أنشئت بعد ذلك لجنة تحقيق دولية وضعت 11 تقريراً لم يتضمن أيٌّ منها إشارة واضحة إلى توافر الأدلة القانونية التي تسمح بإصدار مضبطة اتهام.
بعد حوالى أسبوع من اليوم، ينطلق عمل المحكمة الدولية الخاصة. وعكس ما كان متوقعاً، لن تعقد جلسات محاكمة، ولن يعلن نظام الأدلّة والإجراءات. لكن لا بدّ أن تُعلن أسماء القضاة. والمفارقة أن من بين هؤلاء من شهّر بهم فيتزجيرالد في تقريره إلى مجلس الأمن، إذ كانوا يشغلون مراكز أساسية في القضاء اللبناني يوم اغتيال الرئيس الحريري وخلال الحقبة السابقة.
القضاء اللبناني كان قد أطلق التحقيقات في 14 شباط 2005، وتمكّن من تحديد مكان وجود العبوة المتفجّرة، وكشف عن سلسلة اتصالات حصلت في محيط مسرح الجريمة قبيل وقوعها، كما تمكّن المحققون اللبنانيون من التعرّف إلى الآلية التي كانت تحتوي على المتفجّرات من خلال التدقيق في تسجيل فوتوغرافي تابع لأحد المصارف في المنطقة. كلّ ذلك حصل قبل وصول الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس. غير أن فيتزجيرالد آثر في تقريره الإشارة إلى «افتقار واضح إلى الالتزام من جانب السلطات اللبنانية بإجراء تحقيق فعّال في الجريمة»، رغم أن لجنة التحقيق الدولية بنت تحقيقاتها على ما توصّل إليه القضاء المحلّي. وتباهى ميليس في إطلالته الإعلامية الشهيرة بصورة شاحنة «ميتسوبيشي» كان المحققون اللبنانيون قد سبقوه إلى تحديدها.
على أي حال، ستنتقل التحقيقات في غضون شهري آذار ونيسان إلى سلطة المدّعي العام الدولي دانيال بلمار وإدارة رئيس المحققين المستشار الأمني السابق في العراق نيك كلداس. وسيختار القضاء الدولي ما سيعتمده من معطيات في الملفّ. أما الجانب الذي يتضمّن «تخبيصاً»، فسيُحمّل القضاة اللبنانيون المسؤولية عنه بالكامل، حتى لو كان ميليس نفسه من شدّد على تنفيذه!