زين بشور*تزداد ضراوة الحرب الإعلامية والإعلانية التي ترافق المعارك العسكرية والسياسية للصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً القضية الفلسطينية، وتزداد أهمية النقاش في شأنها: معركة العلاقات العامة.
يدرك الإسرائيليون منذ زمن أهمية هذه المعركة في حشد دعم الرأي العام العالمي وتعاطفه، أو حتى تحصين اللامبالاة التي تطلق يد عسكرهم في كلّ ما يرتكبون. ويخصّص الإسرائيليون لذلك ميزانيات ضخمة، ويرسمون الخطط ويستعينون بكبريات الشركات المتخصصة في هذا المجال. فينبري المتحدثون الإسرائيليون على كل الشاشات، مطلقين رسائل ولغة وتعابير موحدة ومنسّقة تكون نتاج قرار سياسي مركزي.
وقد نجح الإسرائيليون من خلال العديد من حملات العلاقات العامة هذه في رسم وقائع جديدة وتحويل عدد من الأساطير والأكاذيب إلى حقائق. فكان من أوضح هذه الإنجازات تعميم مقولة «ألا شريك فلسطيني للسلام»، حيث أصبحت من المسلّمات في العديد من الأوساط السياسية في مراكز القرار، ليصل الأمر إلى حدّ لوم الفلسطينيين على الاحتلال الذي سبّبوه!
كذلك نجحت حملات العلاقات العامة الإسرائيلية في تثبيت تعابير ومصطلحات لها أبعاد سياسية واستراتيجية واضحة: فحرب تموز 2006 كانت حرباً على حزب الله لا على لبنان. وحرب غزة الأخيرة كانت مع حماس لا ضد القطاع أو حتى باقي الفصائل. ولا يخفى على أحد الفرق بين هذه التعابير وتأثيرها على صورة الصراع وطبيعته.
أما في المقلب الآخر، فنجد بداية وعي لأهمية العلاقات العامة. وكان حزب الله قد سعى إلى تسخير الإعلام في المجهود الحربي خلال التسعينيات من القرن الماضي وخلال حرب تموز. إلا أن هذا الجهد اقتصر على جانبين: الحرب النفسية مع الإسرائيليين والترويج لخيار المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة. أي اقتصر هذا الجهد على طرفي الجبهة، من دون التوجه إلى العالم الخارجي، أو إلى «الخارج» الموجود في الداخل، أي الشريحة الداخلية التي يتأثر رأيها بالرأي العام الغربي تحديداً، لا العكس.
ويكاد يقتصر ما بقي من حملات إعلامية وترويجية على مبادرات فردية ومجموعات وهيئات أهلية وحزبية ونقابية، يغرّد كلّ منها على ليلاه، من دون أي توجّه واضح أو استراتيجية واضحة، منها ما يستعطف ومنها ما يتحدى ومنها ما يهدد ومنها ما يستسلم. فتكون نتيجة ذلك حملات برّاقة جميلة المظهر، لكن ذات تأثير ضعيف، إن وجد، بل وذات مردود سلبي أحياناً.
ولا يمكن أن نعزو أسباب فشل الحملات الدعائية الإسرائيلية في الحروب الأخيرة إلى قيام حملات مضادة، بل يعود ذلك ببساطة إلى بشاعة هذه الحروب التي شُنّت، وعدم قدرة إسرائيل على إخفاء الوجه الحقيقي لممارساتها. ولعلّ الفضل في ذلك يعود في جزء أساسي إلى الدور الذي لعبه الإعلام، وخاصة قناة الجزيرة العربية، ولاحقا محطتها الإنكليزية.
لكنّ هاتين المحطتين لم تبلورا استراتيجيات، بل كانت الوقائع والصور الصادرة من غزة كفيلة بأن تعطيهما ما يكفي من الذخائر الإعلامية لدحض حملات العلاقات العامة الإسرائيلية وإفشال محاولاتها تصوير هذه الحروب على أنها عمليات «جراحية» وحروب «إنسانية» ذات ضرر محدود على المدنيين.
يبقى إذاً وضع استراتيجية علاقات عامة «هجومية» لبناء الغضب والرفض لمفهوم الدولة الإسرائيلية المحتلة والمعتدية والخارجة عن القانون، وصولاً إلى طرح الأسئلة بشأن شرعية وجود دولة عنصرية تتستّر بغطاء الديموقراطية. وهنا لا بد من أن نجيب على كمّ من الأسئلة قبل إطلاق أي حملة أو وضع أي استراتيجية:
ما هي الصورة التي نريد أن نبرزها أمام العالم عن أنفسنا؟ هل نحن ضحايا أم مقاومون أم الاثنان معاً؟ هل نستجدي العطف أم الشفقة أم الغضب أم التضامن؟ هل نعتمد على الغرب والعالم لإنقاذنا من الطغيان الإسرائيلي أم أننا كفيلون بذلك وحدنا؟ هل نتوجه إلى العالم على أساس أنّ مواقف الدول والشعوب تصبّ في مصلحتنا أو في مصلحة المعتدي؟ هل المشكلة في عدم وصول المعلومات والحقائق إلى الغرب، أم أنّ هناك ارتباطاً عضوياً بإسرائيل؟ ماذا نجني من كل مقاربة؟
هذا ليس إلا جزءاً من الأسئلة التي من المطلوب الإجابة عنها قبل وضع الاستراتيجيات الإعلامية والعلاقات العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخطاب الرسمي العربي لن يلتزم على الأرجح بمثل هذه الاستراتيجيات. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن الحكومات والأنظمة العربية غائبة تماماً عن هذه الساحة، كغيرها من الساحات، من الأجدى أن يتولّى من يسعى لملء الفراغات هذه المهمة أيضاً.

* كاتب لبناني