كلما رغب أبناء قرية من قرى البقاع في الاحتجاج على مشكلة ما، تجدهم شدّوا رحالهم باتجاه شتورا وجعلوها ساحة لتحرّكهم، هذا في وقت تئنّ فيه عاصمة البقاع من مشكلاتها المتراكمة نتيجة توسّعها الجغرافي الذي لم ينعكس على إمكاناتها المادية. البلدة ـــــ المدينة، التي تشكّل بوابة لبنان إلى البلاد العربية، تشكو من انخفاض قيمة مخصصاتها البلدية، ما لا يتيح ترتيب الفوضى التي تعمّ ساحتها
أسامة القادري
يعلّق أحد الباعة المتجوّلين في ساحة شتورا حقيبة «سامسونايت «في رقبته، ويروح ينادي على الساعات التي يحملها، فيما يجول بائع آخر بصندوق مخصّص لبيع زجاجات العطور على المارّة. يمرّ هذان البائعان بين عشرات عربات الفواكه والخضر والكعك التي تزاحم بعضها بعضاً، وسط ضجيج أصوات أبواق «الكاز» التي تملأ المكان.
هذا هو المشهد اليومي الذي تعيشه ساحة شتورا كلّ صباح، ما يجعل الشكاوى على لسان معظم المقيمين فيها، ولا سيما أصحاب المحال التجارية وسائقي سيارات الأجرة الذين يعدّون أنفسهم أبرز المتضرّرين من الفوضى التي تميّز الحركة التجارية في الساحة.
يشكو التجّار، مثلاً، من ارتفاع قيمة إيجارات المحالّ في ظلّ منافسة الباعة المتجوّلين، فيما يشكو أصحاب المواقف من غياب شرطة البلدية. يسأل راشد الشقيف، صاحب أحد المواقف الموحدة، عن سبب عدم قيام البلدية بوضع حد لتجاوزات الباعة المتجولين والمتسوّلين الذين ينتشرون في الساحة منذ ساعات الصباح الأولى حتى غياب الشمس. يقول: «مش معقول كيف كلّ شحاذ بدبّق بالزبون حتى إنهم يتعلّقون بشبابيك السيارة، على مرأى من شرطة الدرك والبلدية... شي بخجّل».
يشكل هذا المشهد جزءاً من المشاكل التي تعانيها شتورا، والتي تختصر بالازدحام. فهذه «القرية»، التي تُحسد على موقعها الاستراتيجي، لا يتعدى عدد سكانها الأصليين 900 نسمة، فيما يصل عدد المقيمين فيها إلى 4500 نسمة. لكنّ احتضانها لعدد كبير من المؤسسات الرسمية والخاصة، التي تعنى بشؤون أهالي القضاء، يجعلها مقصداً لآلاف البقاعيين، سواء الموظفين منهم، أو من يقصدها لإنجاز معاملة رسمية.
تحتضن شتورا عدداً من المراكز الرسمية، مثل مخفر درك شتورا ومفرزة سير زحلة، وإدارة جمارك إقليمية، ودائرتي الأحراج والإنتاج الحيواني، وإدارة هاتف شتورا ومركز «أوجيرو» و«ليبان بوست»، ومحكمة شرعية ومستشفيات. وهي تضم أكبر عدد من مراكز الخدمات المصرفية، ما يجعلها تحلّ في المرتبة الثانية بعد بيروت في هذا المجال، فنجد فيها 15 مصرفاً و50 مؤسسة تتعاطى تبادل العملات. يضاف إليها معامل الخمور والألبان والمواد الغذائية والكونسروة والمعلّبات، عدا عن الفنادق والمطاعم الضخمة والمحال التجارية. كذلك تحتضن عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمهندسين والمستشارين، ولا تخلو من حركة سياسيين.
باختصار، تشكل شتورا الشريان الحيوي الأبرز لأهالي البقاع، ويقدّر أبناء البلدة عدد الوافدين إلى بلدتهم يومياً بنحو 30 إلى 40 ألف نسمة، ما يسبب الازدحام الخانق الذي تعيشه هذه «القرية» منذ ساعات الصباح الأولى وحتى انتهاء دوام العمل الرسمي. أما حركة السير فتبقى مستمرة من دون انقطاع، لكون البلدة تشكل نقطة التواصل بين جميع المناطق البقاعية والعاصمة بيروت، وبين بيروت والوطن العربي.
رغم كل هذه الميزات، لا يشعر أهل شتورا وقاطنوها بأن الدولة أولت بلدتهم رعاية خاصة، بل بالعكس، تسمعهم يشكون، كغيرهم من اللبنانيين، مشاكل التقصير وغياب الخدمات. ولعلّ أوّل ما يشكو منه الأهالي التقصير في أعمال البلدية في جميع المجالات، فيتحدثون عن غياب المشاريع الإنمائية والحراسة، عدا عن مشاكل صحية نتيجة التلوّث في أحد روافد نهر الليطاني، أو ما يسميه الأهالي «المجرور المكشوف»، الذي يسبّب أمراضاً للساكنين على ضفّتيه.
شكاوى الأهالي الموجّهة إلى البلدية، يحملها رئيس البلدية نقولا عاصي إلى الجهات الرسمية. فيقول لـ«الأخبار» إن المشكلة الرئيسية تكمن في تعامل الدولة مع شتورا على أنها قرية صغيرة، وهي كذلك إذا قيست بعدد سكانها، فيما تحتلّ موقعاً استراتيجياً يضعها في مصاف المدن نسبة إلى حركتها اليومية. فشتورا برأيه «ممرّ إلزامي للدول العربية المجاورة، ونقطة التواصل بين دمشق وبيروت وحمص، ومركز فريد للخدمات والراحة، عدا عن أنها شريان حيويّ هام على صعيد التبادل التجاري والاقتصادي».
رغم كلّ ذلك، يلفت عاصي إلى أن حجم استفادة البلدية من كلّ هذه الأنشطة يبقى أقلّ بكثير من المتوقع «تصرف لنا الدولة حصتنا كحصة أي قرية صغيرة من دون الالتفات إلى ما يشكله وجود كل هذه المؤسسات والدوائر من أعباء إضافية علينا». وبينما لا ينفي عاصي المطلب المحقّ للأهالي بإقامة المشاريع، إلا أنه يحيله أيضاً إلى الروتين، والعرقلة التي تحصل بسبب خلفيات سياسية، لافتاً في هذا الإطار إلى ضرورة اعتماد اللامركزية الإدارية «لأنها الحلّ المناسب الذي يعطي البلدية حق المبادرة لتنفيذ ما تراه مناسباً وضرورياً».
أما بالنسبة إلى مشكلة التلوّث في الليطاني، والتي تشكّل محور مناشدات جميع بلديات البقاعين الأوسط والغربي، فيضمّ عاصي صوته إلى صوت مواطنيه، مؤكداً أن كلّ الدراسات التي تقدّمت بها البلدية للمطالبة بإنشاء محطات تكرير للمياه المبتذلة على طول مجرى نهر شتورا، لم تلق آذاناً صاغية: «لأن المساعدات تأتي مشروطة وتطالب بتنفيذ أشغال دون سواها». ومن الأمثلة التي يقدمها في هذا الإطار: «لا أعرف كيف نطلب مشروعاً لتأهيل المجاري، فتأتي التقديمات لتحسين الأرصفة».
يبقى دور الشرطة البلدية الغائبة عن تنظيم الفوضى في ساحة شتورا. يعترف عاصي أيضاً بأحقيّة هذا الطلب، لكن «القانون لا يسمح لشرطة البلدية بالعمل في الساحات العامة والطرقات الرئيسية لأنه من اختصاص قوى الأمن الداخلي». ويختم عاصي بالشكوى من الحسومات المستمرة لمخصّّّّّصات البلديات عاماً بعد عام.