بات معلوماً أن قوات الاحتلال لا تحترم القانون الدولي والمعايير الإنسانية. بعد الاعتداء أخيراً على سفينة الكرامة، استطلعت «الأخبار» آراء بعض القانونين، بحثاً عن السبل القانونية لمعاقبة الاحتلال على جرائمه
أحمد محسن
أوقفت سفينة «الكرامة» المحّملة بالمساعدات الإنسانية منذ أيام، تبعاً للمنطق الإسرائيلي المعتاد: التعّسف غير القانوني. ادّعى الإسرائيليون أنهم وجهوا إنذاراً إلى السفينة، وأطلعوها على عدم الاقتراب من «المنطقة العسكرية المغلقة». لم يكتف الاحتلال بالسطو على الجو، بل امتدت أذرع زوارقه الحربية، لتضرب الباخرة الإنسانية، وتصطدم بها ثلاث مرات متتالية. كان ذلك في المياه الدولية بين بيروت وغزة، حيث كادت الباخرة أن تغرق. حدث الاعتداء الإسرائيلي في الخامسة فجراً، مما لم يسعف طاقمها على الصمود: ضربة رابعة قد تودي بها إلى أعماق البحر، مع 16 راكباً من جنسيات مختلفة كانوا على متنها.
تقول القصة الإسرائيلية، إن البحرية التابعة لها أنذرت السفينة، لكن لم تمتثل الأخيرة للإنذار اللاسلكي. في هذه الحالة، يشير دكتور القانون الدولي شفيق المصري إلى أنه يجب إثبات عدم وصول أي إنذار من القيادة الحربية الإسرائيلية، وهو ما يصفه بـ«المستحيل»، بما أن قوات الاحتلال هي قوات أمر واقع، تسطير على الميدان، وقد سبق لها أن أعلنت أن المنطقة عسكرية. لكنه في الوقت عينه لا ينفي ضرورة الشكوى من الطريقة التعسفية حين اعترضت الباخرة. برأي المصري، أن القانون الدولي، حتى في حالة سماحه لقوات الاحتلال باعتراض السفن الآتية بناءً على معطيات حربية، فهو لن يسمح لها بالتأكيد بمحاولة إغراقها، ويستفيض مؤكداً أنه كان بالإمكان احتجازها، ريثما يصار التحقق منها. في المحصّلة، يشير المحاضر في الجامعة اللبنانية الأميركية إلى أن الشكوى الأساسية يجب أن تتلخص في طريقة الصدم والإيقاف.
لم يفت القانوني أن ينبّه من أن القارب المذكور كان ينقل المساعدات الإنسانية وحسب. يجعل هذا الاعتبار قوات الاحتلال في خانة المخالف للقانون الدولي مجدداً، إذ إن اتفاقية جنيف ترفض بشدة قطع أي مساعدة إنسانية تتجه إلى مدنيين.
ومن المتوقع أن يضرب الجيش الإسرائيلي كل هذه الاعتبارات عرض الحائط، وخصوصاً «أنه قام خلال الأيام القليلة المنصرمة بما هو أفدح من اعتراض سفينة». وفي هذا الإطار، يشير المحامي والباحث القانوني رزق زغيب، إلى أن الصفة القانونية لا تؤهل ركاب السفينة لمقاضاة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، المولجة بمعالجة مثل هذه النزاعات. أما عن الأسباب، فتعود أيضاً إلى رفض السلطات الإسرائيلية الرسمية الدائم، بالالتزام أمام المحكمة الدولية. إلا أنه لفت إلى إمكان طلب لجنة لدرس الحادثة عبر مجلس الأمن، قد تقر تعويضات على المتضررين، كما أدينت القوات الإسرائيلية بتلويث لبنان منذ فترة وجيزة.
يرى زغيب أن السبيل القانوني الأفضل لمجازاة الاحتلال، ينضوي تحت جناح المحاكمة الجزائية الدولية، وخصوصاً أن ركاب السفينة يحملون أكثر من جنسية أوروبية، تبيح قوانين دولها البحث في قضايا كونية.
وقبل الحديث عن المحاكمة الجزائية المفترضة على الاعتداء الإسرائيلي، تجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي يمنح السفن المدنية حق المرور السلمي في المياه الدولية، مهما كانت الحالات، فكيف إذا كانت تنقل حمولة عون وإغاثة إلى مدنيين منكوبين؟ يعزو زغيب الأمر إلى الغطرسة الإسرائيلية المعتادة، التي تمنح لنفسها الحق بإعلان «حالة الحرب». أما عن تحديد مستلزمات المحاكمة الجزائية، فأوضح القاضي اللبناني زياد مكنى أن قوانين البلدان حيث يجب أن ترفع الدّعاوى، يجب أن تنص على صلاحية الشخصية الإيجابية، أي محاكمة أفراد من غير جنسية البلدان داخل أراضيها كبريطانيا وإسبانيا. إذاً، لا مفر من اللجوء إلى محاكم محلية، تتسع فيها دائرة المحاكمات الجزائية، لتلائم حجم اتساع دائرة الاعتداء الإسرائيلي المتفاقم.