كانت جلنار تسمع عن حصول عمليات نشل، وتخشى دائماً أن تصادف «نشالاً». أول من أمس، اضطرت المواطنة اللبنانية إلى مطاردة الرجل الذي اشتبهت فيه بمحاولة نشلها، نتيجة ما عدّته «إهمالاً» من القوى الأمنية القريبة
أحمد محسن
كانت سيارتها عالقة في الزحمة، في منطقة وطى المصيطبة باتجاه جسر الكولا ــ بيروت. استغلت جلنار توقف السير، لتردّ على اتصال هاتفي من إحدى صديقاتها، ريثما يقرر الشرطي السماح للسيارات بالعبور. في هذه الأثناء، تسللت يد إلى الباب الخلفي، وحاولت فتحه بقوة. لم تتوقع أنها كانت تتعرض لمحاول نشل، فهي تعلم أن شرطي المرور يبعد 100 متر تقريباً عن النقطة التي كانت سيارتها متوقفة فيها. «ابتسم النشّال الافتراضي ابتسامة عريضة في وجهها، وتابع ما بدأه محاولاً استغلال بعض الوقت». أكدت جلنار أنه أثناء محاولته فتح الباب المغلق، كان ينظر إلى حقيبة يدها الموضوعة في الخلف. وحين فشل، وتقدمت السيارات الأمامية، حاول الفرار، «وتابع سيره على دراجته النارية كأن شيئاً لم يكن». تملك الخوف جلنار، فأخبرت صديقتها على الهاتف بما يجري، وحاولت لفت انتظار الشرطي، فصاحت في وجهه «حرامي، نشّال، أوقفه». بيد أن الأخير لم يستوعب الفكرة. جرى ذلك في لحظات قليلة، وطلب منها الشرطي «أن تلحقه بنفسها»، لأنه لا يمكنه أن يترك نقطة السير. لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سجلت جلنار «حكمة الشرطي وشطارته»، فقد حاول الأخير التخفيف عنها بالقول: «الحمد لله ما ظبطت معو منيح، ما سرقك». تؤكد جلنار أنه قال ذلك بجدية تامة، ولم يكن يستهزأ. وبعدما طلبت من صديقتها التي تحادثها على الهاتف تسجيل لوحة الدراجة النارية، تملكت بعض الشجاعة لتلحق بسائق الدراجة. وعند وصولها الى أمام جسر الكولا بقليل (طلعة الإطفائية)، والدراجة النارية ما زالت على مسافة قريبة من عينها، صادفت أحد الدرّاجين التابعين لقوى الأمن الداخلي، فأخبرته بما حصل على الفور. كان يجلس على دراجته الضخمة، وتعتقد جلنار أن الخوذة الواقية التي يرتديها على رأسه صعّبت وصول صوتها اليه في البداية. «شو؟» قال لها مستغرباً. كررت ما قالته بصوت مرتجف وعال. اضطر إلى التجاوب حينها، فطلب منها أن تركن السيارة إلى جانب الطريق.
صودف خروج إحدى السيارت المركونة هناك، فركنت جلنار سيارتها مكانها تلقائياً، وبحثت عن إشارة ممنوع الوقوف، من دون أن تجدها، وساعدها في ذلك أنها تعرف المنطقة جيداً، ورغم سفرها لفترة طويلة، فما زالت تحفظ أحياءها المتواضعة. تنهدت قليلاً، وانتظرت الدرّاج لتخبره بما حصل، «حرصاً على سلامة الآخرين». لكن الدرّاج لم يعد. على الرغم من انتظارها نصف ساعة، كانت كافية لانتهاء زحمة سير حقيقة، أو عبور قوافل كاملة، وليس فقط لهروب سائق دراجة نارية صغيرة. صعدت جلنار إلى أحد المباني القريبة، حيث يقطن أقرباء لها، لتهدئ من روع نفسها. المفاجأة كانت حين نزولها، ولا سيما أنها وجدت محضر مخالفة وقوف موجوداً على زجاج سيارتها الأمامي، حيث طلب منها الدرّاج أن تتوقف، الدرّاج عينه الذي لم يعد، لا بل يمكن اعتباره فاراً من واجباته برأيها. غضبت جلنار كثيراً، ولم يعد الوضع بالنسبة إليها مجرّد يوم سيئ، بل تخطى ذلك ليصبح إهمالاً لا يحتمل، ومن مؤسسة رسمية لا تحتمل الاهتمال: الشرطي أولاً، والدرّاج الضخم البنية ثانياً. توجّهت جلنار إلى مكان آخر للاعتراض، بقليل من الأمل وكثير من الغضب. قررت جلنار، وهي التي أقامت في دولة أوروبية غربية لفترة طويلة، أن تتوجه إلى أحد المخافر القريبة، لتقدّم شكوى رسمية بحقّ رجال الأمن أنفسهم. في تلك المرحلة من القصة، نزعت جلنار سائق الدراجة النارية من ذاكرتها، من دون أن تنفي «حسن حظها لأنه لم يكن مسلحاً أو عدائياً». تذكرت ابتسامته العريضة والساخرة أثناء محاولته نشلها، ربطت ذلك بتصرف رجلي الأمن. في تصورها أنه يبتسم، «لأنه يعلم حجم الاستهتار».
في المخفر، «جرت الأمور أفضل بقليل مما جرت في الشارع» تقول جلنار بتردد واضح. حاول المسؤول عن التحقيق هناك تهدئتها قليلاً. كيف حاول ذلك؟ ببساطة، حاول إقناعها بأن الشرطي المذكور في النقطة المذكورة، ليس مدرباً كما يجب، وأخبرها «أن الجميع في لبنان يعلم أن القوى الأمنية تعاني نقصاً عددياً حاداً». فاجأته جلنار بأنها أجرت التحقيقات بنفسها، ولم تكتف بملاحقة المشتبه فيه فحسب، بل حصلت على رقم لوحة دراجته. وبعد اتخاذها كل الإجراءات بنفسها، أخيراً، قبضت القوى الأمنية على المشتبه فيه.


في القانون وآلياته

يبيح القانون اللبناني لكل شخص أن يقبض على الفاعل المتلبّس به بالجريمة المشهودة. وتشير المادة الـ 45 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إلى أنّ «لكل شخص، في حالة الجريمة المشهودة، جناية كانت أو جنحة تستوجب عقوبة الحبس، أن يقبض على الفاعل المتلبس بها، ويحضره إلى أقرب مركز للضابطة العدلية». من ناحية أخرى، يمكن المواطنين اتخاذ إجراءات أخرى في حال ملاحظتهم أي تصرف خاطئ من أحد عناصر قوى الأمن الداخلي (كما هي الحال مع جلنار)، فيسعهم الاتصال على رقم غرفة عمليات قوى الأمن الداخلي 1744، والتبليغ فوراً عن أي ملاحظات.