ياسين تملاليلا يزال عبد العزيز بوتفليقة يذكّر من حين لآخر بأن الجزائر على عهد الراحل هواري بومدين، «مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، لكن وزير داخليته الوطني، نور الدين زرهوني، لم يسمح بتنظيم تظاهرات تأييد لغزة إلا بعد أسبوعين من بدء العنوان. لا يزال الرئيس وفيّاً لـ«ماضي الجزائر الثوري»، لكن الولاة يطلبون أجل ثمانية أيام للرد على طلبات تنظيم مسيرات المساندة للغزاويين المطوقين.
لا يزال عبد العزيز بوتفليقة يتكلم عن فلسطين بحرقة، لكن رئيس برلمانه، عبد العزيز زياري، لم يتردد في رفض طلب بعض البرلمانيين عقد «جلسة مخصصة لمناقشة العدوان الإسرائيلي» (هكذا) مع أن ذلك أضعف أضعف الإيمان. لا يزال صوته يتهدج وهو يذكر وقوف الجزائر الحازم إلى جانب «الأشقّاء الفلسطينيّين»، لكن ما أبعد فلسطين عن اهتمامات النوّاب الموالين له (أغلبهم لا استعداد له لحضور جلسات مناقشة الميزانية، فما بالك بـ«تكسير رأسه» بروتين مجازر إسرائيل).
وكغيره من أتقياء القادة العرب، لا يزال عبد العزيز بوتفليقة يتوق طبعاً إلى الصلاة في بيت المقدس، لكن أجهزته الأمنية «خائفة من أن تتحول غزة إلى عراق آخر» تستعمله الجماعات الإسلامية المسلحة في تجنيد شباب راديكالي جديد. من الصعب أن نصدق أن هذا الرئيس هو من فتح منصّة الأمم المتّحدة «للإرهابي» الملاحق، ياسر عرفات، في 13 أيلول/ سبتمبر 1973، وأنه كان أحد أعمدة النظام الذي سمح لحركة تحرير فلسطين، في 23 أيلول/ سبتمبر 1963، بأن تفتح في الجزائر أول مكتب لها في العالم. من الصعب أن نصدق أن تاريخاً حافلاً بآيات الدعم للشعوب المضطهدة أصبح وسيلة لتسويق صورته كـ«مرشح الشعب» لعهدة رئاسية ثالثة. من الصعب أن نصدق أن كل ما يهم السلطات الجزائرية اليوم هو التذكير بأن فخامته كان فاتح أبواب الأمم المتحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية وأنه قابل شي غيفارا في الجزائر، في 1964... من الصعب أن نصدق أن «القضايا العادلة» أصبحت تتلخص في نظر هذه السلطات في قضية واحدة، «القضية الصحراوية».
وتبدو الأحزاب الحاكمة الثلاثة متواطئة تمام التواطؤ مع الموقف الرسمي. عبد العزيز بلخادم، رئيس جبهة التحرير الوطني (الحزب الأوحد رقم 1) اكتفى بالتنديد بالعدوان الإسرائيلي ودعوة الزعماء العرب إلى «التحرك من أجل إنقاذ غزة، لأنه لا المال باق ولا السلطان باق» (هكذا)، متناسياً أنه «وزير دولة» و«الممثل الشخصي» لأحد هؤلاء القادة الميامين، عبد العزيز بوتفليقة. كذلك الأمر بالنسبة لرئيس الحزب الواحد رقم 2 (التجمع الوطني الديموقراطي)، الوزير الأول، أحمد أويحيى: اكتفى بأن ردد مراراً: «ليس لأحد أن يزايد على الجزائر». ألا يكفي الجزائر فخراً أنها لم تطبّع بعد علاقاتها مع إسرائيل وأنها ترفض فتح مكاتب اتصال لها في تل أبيب؟
أما حركة مجتمع السلم («حمس»، الإخوان المسلمون)، فبينت مرة أخرى ازدواج ممارستها السياسية وخطابها أبلغ تبيين: بالرغم من أن من نظم بعض التظاهرات المساندة لغزة هو جهازها في الجامعة (الاتحاد العام الطلابي الحر)، فإن صمتها شبه مطبق عن القمع الذي تعرضت له هذه التظاهرات، بل يمكن القول إنها بحكم عضويتها في الحكومة مسؤولة كشريكيها فيها، جبهة التحرير والتجمع الوطني، عن منع هذه التحركات الشعبية. أي نعم، وكفانا حديثاً عنها كـ«حركة معارضة» وكما لو أن كل من أطلق لحيته معارض بالضرورة إلى أبد الآبدين.
لا شك بأن قياديي «حمس» أدركوا كلفة تناقض موقفهم على المستوى الشعبي. لكن هل يسعهم انتقاد وزير الداخلية، وهو زميلهم في الحكومة وأحد أقرب المقربين من عبد العزيز بوتفليقة؟ هل يسعهم انتقاده ورئيس الحركة، أبو جرة سلطاني، مثله «وزير دولة» لدى فخامة الرئيس؟ بالطبع لا، فانبرى أحدهم، النائب لخضر رابحي، يسدي النصح إلى نور الدين زرهوني، طالباً منه «الترخيص استثنائياً» لمسيرات التضامن مع غزة «تنفيساً عن الاحتقان الشعبي». أي نعم، «تنفيساً عن الاحتقان الشعبي» لا مشاركة في وقف العدوان الإسرائيلي. فـ«حمس» لا تنسى مصالح النظام حتى وهي تتحدث عن «قضية الأمة المركزية، قضية فلسطين»!

* صحافي جزائري