بيار أبي صعب قرأنا في الصحافة عن مسوّدة «إعلان مبادئ» مطروحة للنقاش على الساحة الإعلاميّة اللبنانيّة هذه الأيّام، بناءً على مبادرة أطلقها الوزير طارق متري. هناك، كما فهمنا، حاجة ملحّة في وطن الأرز، إلى وضع حدّ لهذه الحرب الأهليّة غير المنظورة التي تعيشها المنابر الإعلاميّة ــــ من حيث تدري أو لا تدري، تقصد أو لا تقصد ــــ في البلد القابع على بركان سياسي دائم الغليان. المطلوب إذاً إعادة اكتشاف أصول السجال وقواعد اللعبة الديموقراطيّة، والتعامل مع الاختلاف في الرأي والموقف، مهما بلغت حدّته، على أساس احترام الآخر وكرامته وحريّته ووجوده المعنوي و... الجسدي.
طموح وزير الإعلام اللبناني هو دعوة الصحافة إلى «نبذ العنف اللفظي، والاغتيال المعنوي»، وإلى «التعهّد بتعزيز قيم التسامح والحوار، وتعميم لغة تحترم الاختلاف». وميثاق الشرف هذا، حتّى من دون الاطلاع على فقراته وبنوده، يبدو مغرياً وضروريّاً... لكنّه أيضاً يبدو مثاليّاً بعض الشيء (والمثاليّة فضيلة خلافاً للاعتقاد السائد). أليس العنف اللفظي المادة الأولى التي تجبل بها الحياة السياسيّة برمّتها في لبنان؟ والاغتيال المعنوي، هل ننسى أنه من اختصاص النخبة السياسيّة التي تمسك بمقاليد الأمور؟ كيف إذاً ينأى عنهما الإعلام؟ أو بالأحرى من أين ترانا نبدأ لتطهير الحياة العامة من تلك الآفة التي تحاصر الرأي العام: أمن الطبقة الحاكمة ومتفرعاتها... أم من صفحات الجرائد واستوديوهات الإذاعة والتلفزيون؟
يكفي أن نستعيد ما كتب وقيل بالأمس القريب تضامناً مع عمر حرقوص، لنكتشف أن عدداً لا بأس به من المحتجّين على الاعتداء الذي تعرّض له الصحافي المذكور، استغلّوا الحادث المؤسف لمآرب أخرى، ووظفوه لتصفية حسابات سياسيّة وأيديولوجيّة. رأينا بعضهم، من علية القوم، ينتشي في قرارة نفسه بالعنف الحاصل، محرّضاً عليه بأشكال أخرى بعيداً عن العقلانيّة وضبط النفس ومنطق الحوار. المحوربون حول سرير حرقوص (وقلوب بعضهم على ضحايا المحرقة النازيّة)، كان دورهم تعطيل أي التفاف مهني وأخلاقي، خارج منطق الخنادق، حول الصحافي المعتدى عليه، كي يبقى الشرخ واضحاً بين الأخيار والأشرار. كأن الاجماع الوطني ممنوع، لأنّه قد يسبّب إغلاق دكاكين كثيرة، ويجبر «أبطال الحريّة» على تنازلات مكلفة. فكم إعلاميّاً في لبنان مستعدّ لتجاوز عصبيته ومصالحه، في سبيل الديموقراطيّة والاستقرار الأهلي؟