يُنجز مكتب اقتفاء الأثر من المهمات اليومية ما لا يقل عن سبع عشرة مهمة، وقد يصل العدد إلى ثلاثين. لكن بصماته ما زالت خفيةً على الكثيرين، رغم مساعدته في حسم نتائج 56 عملية، منذ بداية العام الجاري
أحمد محسن
قد لا يعرف الكثيرون أن لبنان بات دولة قادرة على تدريب الكلاب البوليسية، فمكتب اقتفاء الأثر (التابع لقسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية) عاد للعمل في عام 1997. وشهدت هذه العودة خجلاً ملحوظاً في البداية، إذ إن عدد الكلاب البوليسية كان ثمانية فقط في ذلك الحين. دُرِّبت 6 منها على يد ضباط الجمارك الفرنسية لاكتشاف المخدرات، فيما دُرِّب الاثنان الآخران في مصر على تفحّص المتفجرات. أما اليوم، فيصل عدد الكلاب المدرّبة إلى 51 كلباً، موزّعة على جميع الاختصاصات، وتقطن في مركز محاذٍ لسجن رومية. ويعمل في المكتب المذكور 56 فرداً من قوى الأمن الداخلي.
في مقر إقامتها، تنبح الكلاب كثيراً، إلا على مدربيها. تتلاصق أقفاصها، ويبتعد عنها الضوء حتى في ساعات النهار. ترتفع لافتة زرقاء فوق كل قفص، كتبت عليها أسماء الكلاب وتاريخ حضورها، إضافة إلى اختصاص كل منها. أما مدربوها، فقد تلقوا تدريباتهم كاملة في لبنان. بدأ ذلك عام 2002، حين بدأت دورات إعداد مروّضي الكلاب البوليسية تُعقَد في لبنان، بعدما كان المدربون يتلقونها في الدول الأوروبية. وبلغ عدد هذا الدورات سبعاً حتى الوقت الحالي، فيما يجرى التحضير لدورة «مميزة» في العام المقبل، يطمح عبرها مدير المكتب، المقّدم فارس حنّا، إلى إرسال مدرب لبناني إلى فرنسا، لتلقي دورات خاصة. يتسع هذا الطموح ليعلن حنا أن إنشاء مدرسة في عرمون لتدريب أفراد المكتب بات قريباً. فالمكتب الحالي لم يعد قادراً على استيعاب عدد أكبر من الكلاب، وخاصة أنها تُدرَّب على كل الاختصاصات. وأبرز هذه المهمات هي الهجوم، إلى جانب إيلائها المهمات الروتينية الأخرى التي تعنى بالمتفجرات والمخدرات، والبحث عن أنقاض بشرية تحت الركام والثلوج، والماء أيضاً.
يرى المسؤولون عن المكتب أنه قابل للتطور، استناداً إلى «تميُّز لبناني في هذا المجال». بيد أن هذا لا يعني أن الاعتناء بهذه الكلاب مكلف كما هي الحال بالنسبة إلى الآلات. يبلغ سعر الكلب غير المدرّب حوالى 2000 دولار في عمر سبعة أشهر، وبعد تدريبه على اختصاص ما، قد يصل سعره إلى سبعين ألف دولار. أما مصاريفه فقليلة نسبياً: إطعام الكلب البوليسي لا يكلّف أكثر من دولارين يومياً، ومعدّل طبابته السنوي لا يتجاوز مئتي دولار، ويمكنه الاستمرار في الخدمة تسع سنوات. «هنا تبرز أهمية وجود تدريب محلي، ينقصه القليل من الاهتمام» يؤكد حنا، لافتاً إلى أن المكتب يتعامل بجدية مع المدربين، وقد صُرف أكثر من مدرب بسبب تعاملهم مع العمل بأقل من الجدية المطلوبة.
لكن المكتب لا يخلو من بعض المشاكل. فالمركز الرئيسي موجود في رومية، بينما تُطلب مساعدته في أماكن بعيدة، «ما يؤدي في أحيانٍ كثيرة إلى تراجع دور الكلاب». لكن الحلول ممكنة، وتقضي بضرورة إنشاء مكاتب إقليمية تابعة للمركز الأساسي، تنتشر في المناطق اللبنانية، لتساعد على توفير الوقت والجهد، آخذين في الاعتبار المهمات اليومية التي يقوم بها المركز، وتقضي بمراقبة الاحتفالات والأحداث السياسية. وفي هذا الإطار، يبدي المركز استياءه من تأخر بعض الشخصيات في إعلان المناسبات، ويلفت كذلك إلى أن بعض الشخصيات السياسية تملك فرقاً تدريبية تضاهي في تدريبها الجهات الرسمية نفسها، على عكس الجيش اللبناني الذي يضطر أحياناً إلى الاستعانة بمكتب اقتفاء الأثر.
وفي هذا السياق، يفاخر المكتب باكتشافه عملية هروب من سجن رومية، إضافة إلى الدلالة على مستودع للأسلحة والمتفجرات في الشمال. إضافة إلى ذلك، أدى المكتب دوراً أساسياً في معارك نهر البارد، عبر تحديد هويات بعض الجثث تحت الأنقاض. يرى المقدّم حنا أن ما يميّز المكتب عن غيره، هو قدرته على حسم الشبهة. على الرغم من أن مكتب مكافحة المخدرات يتحرك بناءً على إشارات أمنية معينة، لكنه يفشل أحياناً في تحديد أماكن وجود الكميات الصغيرة من المخدرات، التي قد تصل إلى نصف غرام أحياناً، «هذا الأمر الذي تستطيع الكلاب البوليسية تحديده بدقة»، يقول حنا بثقة.
تجدر الإشارة إلى أن استعمال الكلاب البوليسية قد يثير غضب الناس أحياناً. هذا ما حدث داخل سجن رومية عام 2006، حين اضطرت الشرطة القضائية للاستعانة بكلاب مدرّبة للبحث في مقتنيات السجناء، ما أحدث موجة غضب واسعة آنذاك، ودفع الشرطة إلى تجنب استخدام هذه الوسيلة معهم مجدداً. ويشير عاملون مع الكلاب البوليسية إلى أن تقبل الشعب اللبناني للتآلف مع الحيوانات سلبي، بالمقارنة مع الدوّل الغربية.


دعم من مارشال ليغاسي

تلقّى لبنان 6 كلاب مُسعِفة في أيار المنصرم، و6 كلاب إضافية في تشرين الثاني، من معهد مارشال ليغاسي الأميركي. ينفذ المعهد المذكور برنامجاً لكشف الألغام بالاشتراك مع المركز اللبناني للألغام، التابع للجيش اللبناني. وقد انضمت الكلاب الجديدة إلى مكتب اقتفاء الأثر.