في عالم يغرق في اللامساواة وتتزايد هشاشة نظامه يوماً بعد يوم، يدعو البعض إلى بحث شكل مختلف من الرأسمالية، يولي الاعتبارات الاجتماعية اهتماماً أكبر، بينما بدأ آخرون في محاولة تطبيقه فعلياً على الأرض
إعداد: رنا حايك
دعا رئيس منظمة الغذاء والزراعة في الأمم المتحدة، جاك ضيوف، إلى عقد قمة عالمية للغذاء في النصف الأول من العام المقبل، للبحث في إمكان إرساء قواعد تجارة أكثر عدلاً، وفي إمكان مساعدة المزارعين في البلدان الفقيرة على تأمين حياة لائقة لهم ولأسرهم، كما شرح ضيوف: «من شأن هذا الاجتماع أن يمهّد لنظام جديد من التجارة الزراعية التي تؤمّن للمزارعين، في البلدان المتقدمة وفي تلك النامية على حد سواء، سبل الحفاظ على معيشة لائقة».كذلك، تهدف هذه القمة إلى استحداث «جهاز تمويلي لتدخلات الطوارئ» يساعد المزارعين في البلدان غير المحصّنة تجاه الأزمات
على رفع محاصيلهم ومردوداتها بسرعة في مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء التي تضخّم فاتورة استيراد الغذاء في تلك البلدان. فقد أغرقت أسعار الغذاء في وقت سابق من هذا العام ملايين الناس بالجوع، وأطلقت التظاهرات والاحتجاجات في معظم أنحاء العالم.
لكن، بينما لا تزال جهود منظمات التنمية العالمية في مرحلتها التخطيطية، اندفع عدد من شركات القطاع الخاص في آلية مزج الرأسمالية مع المسؤولية الاجتماعية. وقد كان الحائز جائزة نوبل، محمد يونس، أحد أوائل معتمدي مفهوم «الرأسمالية بوجه إنساني»، بالتعاون مع بنك غرامين، الذي تحوّل لاحقاً إلى شركة غرامين.
يعرّف يونس «الشركة التجارية الاجتماعية» على أنها تجارة تتمتع بأولوية الأهداف الاجتماعية، يخصّص فائض القيمة فيها مبدئياً لإعادة الاستثمار في التجارة ذاتها أو في المجتمع بدلاً من مراكمته على شكل أرباح.
إن أهم قيم الشركة التجارية الاجتماعية يكمن في اعتمادها مبدأ زيادة الإعانات المالية الاجتماعية، لا الأرباح، إلى الحد الأقصى، كما في عملها، من دون الوقوع في خسائر مع خدمتها للأشخاص المحرومين وللبيئة، علماً بأنها حريصة في الوقت نفسه على الاستثمار في التوسع، التجديد، وزيادة الإنتاجية. تتنافس هذه الشركات، مع مثيلاتها ومع أنواع الشركات الأخرى التي تتوخى زيادة الربح، على السوق، وتتوصّل إلى تأمين ما يكفي من الفائض لتسديد رأس المال المستثمَر للمستثمرين في أسرع وقت ممكن. بكلمات أخرى، تستند هذه الشركات إلى المبادئ الأساسية للرأسمالية لتحقيق أهداف اجتماعية.
في شهر نيسان من عام 2007، بدأت الشركة التجارية الاجتماعية لإنتاج الألبان غرامين ــــ دانون المحدودة للأغذية، العمل خارج منطقة «بتغاري» في بنغلادش. تؤمّن هذه الشركة حالياً، بحسب ما يفيد به مؤسّسوها وملاّكها، الغذاء بأسعار معقولة لسكان الأرياف، لتخلق بذلك نشاطات تجارية مستقلة ومئات الوظائف المحلية في مجالات الزراعة، تصنيع الغذاء، المبيعات، التسويق والتوزيع، مع اعتمادها التكنولوجيا غير المضرّة بيئياً.
تعترف الشركة بأنها تواجه تحديات عدة، بما فيها واقع أن منتجاتها لا تحظى سوى بحدود ربحية منخفضة، نظراً لمحدودية القدرة على الوصول إلى شريحة أكبر من المستهلكين، وخصوصاً أن التوزيع والتسويق يصبحان أصعب بسبب قابلية المنتج (الألبان) للفساد السريع، وقلة الموارد البشرية المحلية المتاح تدريبها لإدارة مختلف عمليات الشركة.
ليست شراكة غرامين ــــ دانون سوى أحد الأمثلة القليلة المتوافرة.
فقد جرت محاولات عدة لتطويع مبادئ التجارة حتى يستفيد منها الفقراء، منها، في لبنان، تجربة بدأت منذ عام 2004.
في ذلك العام، بدأت شركة تجارية خاصة تحت اسم «سلة الصحة»، بتسويق الإغذية العضوية التي ينتجها أكثر من أربعين منتجاً من مختلف المناطق اللبنانية. ورغم أن الجامعة الأميركية في بيروت هي القيّمة على الشركة «المسؤولة اجتماعياً» كما تصف نفسها، إلا أنها لا تمدّها بالدعم المادي، بل تديرها بحسب مبادئ العمل التجاري التقليدية. من منفذ البيع الذي تمتلكه في منطقة رأس بيروت، تخدم هذه الشركة مجتمع المزارعين في الريف والمستهلكين في العاصمة، إذ إن معظم زبائنها هم من المدنيّين المهتمين بالنظام الغذائي الصحي وبالاعتبارات البيئية الذين يودّون المشاركة في التنمية الريفية من خلال استهلاك الأغذية العضوية المضمونة الجودة التي ينتجها المزارعون الصغار.
أما مديرو الشركة، فرغم إدراكهم أن التحديات التي يواجهونها تشبه تلك التي تواجهها غرامين ــــ دانون، إلا أنهم يعون أهمية دورهم في تقديم بديل ينظّم ربحيّته باستقلالية عن الآلية المتفلّتة من أي رقابة التي تدار بها معظم العمليات التجارية. ربما يجدر بحث مدى إمكان تعميم التجارب من هذا النوع التي من شأنها التأثير في حياة الفقراء وتحسينها.