يخّيل لزائر المعرض الحرفي في مبنى الحركة الاجتماعية أن مجموعة من المحترفين قد أعدّته، فلا تشبه قاعة المعرض غرف السجن أبداً. يصعب التصديق أنهم الأشخاص الذين لا يصل ضوء الشمس إلى أيديهم، خلف جدران السجن
أحمد محسن
افتتح، منذ أيام، معرض حِرَف السجناء في مركز الحركة الاجتماعية في بدارو روتينياً. ألقت الناشطة في الحركة الاجتماعية، روكسان صالومي، كلمةً شددت فيها على عدم تعامل المجتمع مع الخارجين من السجون كمنبوذين، لا بل كمواطنين جدد. وتتابعت نشاطات المعرض، فقدم بعض الشبّان (الذين انتهت فترة أحكامهم) عرضاً مسرحياً، هدفوا من خلاله إلى إثارة جوّ من التعرّف إلى القانون. بيد أن أبرز ما جاء في الافتتاح كان محطة عاطفية، قُرئت خلالها رسالة من داخل السجن، كتبها أحد القاصرين الذي ندم على تكراره فعلاً مخالفاً للقانون.
في المعرض أشياء كثيرة ومتنوّعة، كتنوّع هويات السجناء والسجينات. لوحات مطرّزة بإتقان، جزادين نسائية، أكواب ملوّنة، وما شاكل من هذه الأدوات المنزلية الصغيرة التي يصعب وصفها وتعدادها لتنوّعها. السجناء الذكور هم من القاصرين، فيما تعود أعمال السجينات لنساء من جميع الأعمار. يلفت الناظر إلى يسار الباب وجود صحن متواضع، تميّزه العبارة المكتوبة عليه بالألوان: «نويل». الخط مستقيم ولا تعرّجات فيه، مما يوحي أن العبارة كتبت ببطء وتأنٍّ، كأن كاتبها يتوق إلى قضاء فترة الميلاد الآتية مع العائلة، خلف شجرة ما. لا تختلف الحِرف المتناثرة هناك عما قد يشاهده المرء في المعارض المشابهة لأناس لم يختبروا العيش خلف القضبان.
يرى المسؤولون عن المعرض أنه متابعة طبيعية لبرنامج إعادة التأهيل والاندماج داخل السجون، الذي بدأ عام 1993 داخل سجن الأحداث، وبعدها بسنوات قليلة في سجن النساء (سجن بربر الخازن). ويتشارك كلّ من الاتحاد الأوروبي وجمعية DROSOS السويسرية تمويل المعرض اليوم. في هذا الإطار، لفت المنظّمون أن الحركة لا تعاني أيّ مشاكل مع إدارة سجن الأحداث في رومية، منذ انطلاقة البرنامج، حيث كانت باحة سجن رومية ساحة لآخر معارض السجناء، منذ أقل من شهرين تقريباً، قبل أن ينطلق المعرض الحالي في مقر الحركة، ويفترض أن ينهي نشاطه اليوم.
في مقارنة أوّلية لأوضاع المعرض هذا العام بما كان عليه العام الفائت، يلفت نظر المنظّمين تزايد نسبة المشاركة في المعرض على مستويين أساسيين، أوّلهما يُعنى بارتفاع معدل مشاركة السجناء في العمل الحرفي من جهة، وثانيهما يتلخّص في ارتفاع عدد الزوّار «الذين باتوا أكثر فضولاً لمتابعة أعمال السجناء». وفي هذا السياق، تشير المسؤولة عن البرنامج، شارلوت طانيوس، إلى أن السجناء متجاوبون تماماً، وخصوصاً في سجن الأحداث. وتجدر الإشارة إلى أن العمل الاجتماعي، داخل السجن وخارجه، يدل على وجود مجموعات متفاعلة أكثر من غيرها. ويلحظ «المتابعون الاجتماعيون» ذلك أثناء جلسات الحوار التي يعقدونها مع السجناء، قبل الدخول إلى المصنع الحرفي (داخل السجن).
تدل الحرف المعروضة (رغم عددها القليل بسبب بيع جزء كبير منها في معارض سابقة) على نجاح البرنامج، آخذين بعين الاعتبار أنّ بعض المشاركين في المعارض هم سجناء سابقون، لا يريدون العودة إلى الوراء. وعلى الرغم من أن المردود المالي الذي يحصلون عليه لقاء عملهم ليس كبيراً، إلا أن منظّمي المعرض أكدوا أن جزءاً من السجناء المفرج عنهم يعود في العام التالي، كما حصل في سنوات سابقة. إذاً، يتوق أغلب القاصرين إلى الخروج من السجن في صورة يستطيعون من خلالها الاندماج في المجتمع، وهم يعرفون جيداً أن عملهم اليدوي سيعرض في أكثر من مكان، ولذلك يهتمون به كثيراً.
لا يمكن وصف معرضهم بالمذهل، لكن مساحته الضيّقة تحمل أملاً بحجم الحرية لهؤلاء النساء والقاصرين، الذين ينتظرون انتهاء السنوات كي يخرجوا من زنازينهم: مواطنين بلا أحكام.