هل سيتمكّن العلماء والمتخصّصون من تطوير حبوب منع حمل جديدة لا تعتمد الهرمونات؟ السؤال لم يعد مستغرباً، بعدما تمكّنت مجموعة من الباحثين السويديين من تحديد هيكلية بروتين ZP3. وفي هذا الإطار يذكر أن «الحبة السحرية» احتفلت العام الجاري بعيدها الأربعين
غادة دندش
تمكّنت أخيراً مجموعة من الباحثين في معهد كارولينكسا من تحديد الهيكلية الثلاثية الأبعاد لبروتين اسمه ZP3 . هذا البروتين موجود في الطبقة العليا من غلاف البويضة لدى إناث الثدييات. وهو ضروري من أجل حصول التفاعل بين البويضة والحيوان المنوي، إذ يحتاج هذا الأخير إلى الالتصاق بالـZP3 من أجل الدخول إلى أسفل الطبقة الخارجية للبويضة وتلقيحها. إن الكشف عن الهيكلية الثلاثية الأبعاد لهذا البروتين المعروف منذ زمن بعيد يفتح الباب أمام احتمال تطوير حبوب منع حمل جديدة لا تعتمد الهرمونات والتأثير فيها من أجل القيام بدورها. كذلك قد يشرح هذا الكشف الكثير من أسباب العقم البشري، التي بقيت غامضة حتى اليوم. قد يكون من الممكن تصنيع حبة منع حمل تعتمد التفاعل والالتصاق بالـ ZP3 حيث تمنع بذلك حدوث مرحلة الاحتكاك الأولى بين البويضة والحيوان المنوي. هذه المرحلة التي من دونها لا يحدث الحمل.
بات من الممكن أن نشهد يوماً تتوافر فيه في الأسواق حبوب منع حمل لا تحتوي الهرمونات ولا تتفاعل معها في جسم المرأة، ولا تحمل خصائص الهرمونات المضرّة. لكن في انتظار ذلك اليوم يبقى علينا التعامل مع ما هو متوافر من هذه الحبوب، مع ما تحمله من سلبيات وإيجابيات. حبوب منع الحمل الهرمونية احتفلت العام الجاري بعيدها الأربعين، وقد باتت أشبه بحبة الـ Panadol من حيث حجم الطلب عليها، وسهولة قبولها وسلاسة استخدامها. إن النساء، ولا سيّما في أوروبا وأميركا يستخدمن هذه الحبوب منذ سنّ السادسة عشرة أو السابعة عشرة حتى بلوغ مرحلة «سن اليأس». وباتت حبوب منع الحمل الهرمونية من الأساليب التقليدية التي ملّتها بعض النساء لما تتطلّبه من التزام يومي، ولما لها من تأثيرات سلبية على الصحّة عموماً.
تتوافر في الصيدليات أنواع كثيرة ومختلفة من حبوب منع الحمل، وهي أكثر الوسائل المعتمدة للحد من الإنجاب. إن لهذه الحبوب تأثيرات إيجابية كثيرة لكنها، ككل دواء تملك بعض التأثيرات الجانبية المزعجة في بعض الأحيان والخطيرة في حالات أخرى. وقد نسجت مخيلة البعض عبر الزمن مجموعة من المعلومات الخاطئة عن حبوب منع الحمل الهرمونية، فثمة من يبالغ في إضافة خصائص حميدة إليها، وهناك من يحمّلها وزر تأثيرات جانبية لا علاقة لها بها. من التأثيرات الإيجابية لهذه الحبوب أنها تساعد على تنظيم عملية الطمث، والحدّ من أوجاع الدورة الشهرية، ومعالجة حبّ الشباب. كما تقلّل من احتمال الإصابة بمجموعة من الأمراض، كأورام الثدي الحميدة، وتمثّل «الأكياس» على المبيضين، والتهابات عنق الرحم. كذلك تخفض هذه الحبوب احتمال الإصابة بسرطان المبيض وغيره.
لكن للحبة السحرية، كما سميت في العقود الماضية، الكثير من التأثيرات السلبية الخطيرة، فهي تجعل المرأة أكثر قابلية للتعرض لتكوّن الجلطات في الدم، ولا سيّما في القدم أو البطن أو الرئة أو العين أو الدماغ.
إن احتمال حدوث هذا التأثير قليل، لكنه يزداد لدى النساء اللواتي تخطين سن الـ35، ولا سيّما المدخنات منهن، واللواتي يعانين ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو السكريّ. كما تسبّب هذه «الحبوب» ارتفاع ضغط الدم وتكوّن أورام حميدة في الكبد. وتشير بعض الدراسات إلى أن النساء اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل الهرمونية لمدّة طويلة، أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، ولكن هذا الاستنتاج ليس محسوماً. وينصح الأطباء النساء اللواتي يستخدمن هذه «الحبوب» بفحص Popsmear أو فحص «الزجاجة» سنوياً. أما التأثيرات الجانبية المزعجة، فمنها الشعور بالغثيان وبعض النزف خلال تناول الحبوب، ولا سيّما في الأشهر الثلاثة الأولى، والتسبب بإحساس مزعج في الثدي يمكن التخفيف من حدّته بالإقلال من تناول الكافيين والملح. كذلك تسبّب هذه «الحبوب» بعض التقلبات المزاجية الحادة أحياناً، ويسبّب بعضها زيادة في الوزن واحتباس السوائل في الجسم وبعض التغيّرات في عنق الرحم... تختلف نسب الهرمونات Progesterone و Estrogen بين نوع من هذه الحبوب وآخر، كما تتوافر حبوب تحتوي على الـProgeslin فقط، وحبوب تحتوي على نسب منخفضة من الهرمونات للنساء اللواتي بلغن مرحلة ما قبل الطمث. إن حبوب منع الحمل الهرمونية قد أّدت دوراً رائداً في تحسين ظروف حياة المرأة عموماً، وما زالت حتى يومنا هذا الأولى في العالم، من حيث حجم استخدامها. أما الكشف الجديد، فلا يزال يتلمّس طريقه نحو المزيد من التدقيق والفهم لطبيعة دور البروتين المذكور سابقاً. لكنه قد يمثّل في المستقبل القريب نهاية مرحلة هي زمن حبوب منع الحمل الهرمونية، وبداية مرحلة قد تصبح فيها حبوب منع الحمل، «الهيكلية» ربّما، أكثر حفاظاً على صحّة المرأة وسلامتها.