فادية حطيطهي تعمل في صالون الحلاقة. صبية ممتلئة الجسم ووجهها مورّد صبوح. تبدو في أواخر العشرينيات من العمر. أم لابنة في الثالثة من العمر وطفل صغير عمره أشهر. دوام عملها اليومي من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساءً، وفي المناسبات يمتد إلى السابعة وأكثر. أسألها كيف تتصرفين بالنسبة إلى ولديك؟ فتجيبني بأنها تضعهما عند أمها. وقبل يومين من عيد الأضحى قالت لي إنها أرسلتهما مع أهلها إلى الجبل وهي ستلاقيهما في صباح يوم العيد، ثم أخذت تخبرني كيف أن أولادها معتادون على جدتهم التي تعرف أمورهم جيداً.
هي ست بيت لديها أربع بنات. ما إن تخطت ابنتها الصغرى بينهن العاشرة من العمر، وكان يفترض بها أن ترتاح قليلاً من مسؤولية التربية المباشرة، حتى تزوجت ابنتها الكبرى وأنجبت ولداً. وبما أن الابنة تعمل من الصباح حتى المساء، كانت تأتي بطفلها إليها صباحاً وتأخذه في المساء. ثم حين أصبح في المدرسة، كان باص المدرسة يأتي به إلى منزل جديه. ثم تزوجت ابنتها الثانية وسافرت إلى دبي. وحين أنجبت ذهبت الأم وبقيت مع ابنتها شهراً كاملاً لتعتني بالابنة وبالحفيدة، ثم أنجبت البنت الكبرى ولداً آخر، ثم أنجبت البنت الصغرى ولداً أيضاً، واليوم عقدت البنت الثالثة خطوبتها، والأم الكبيرة لا تهدأ ولا ترتاح.
هي أم شابة، تعمل هي وزوجها في مؤسسة بدوام كامل من الثامنة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر، فتضع مولودتها الصغيرة عند حماتها التي صارت متعلقة كثيراً بحفيدتها، حتى أنها ترفض أن توضع البنت في حضانة للأطفال. وهناك عشرات الأمثلة الواقعية من هذا القبيل. العديد من الطالبات يأتين إلى الجامعة وقد تركن أولادهن لدى الأمهات. وكثيراً ما تخبرني إحدى صديقاتي أنها مشغولة لأن ابنتها سافرت مع زوجها لفترة قصيرة وتركت ابنتها الصغيرة معها. أو تقول إحداهن إنها لا تستطيع حضور اجتماع وقتاً طويلاً لأن حفيدها ينتظرها في المنزل. ولدي صديقة لا تنفك تعبر عن أمنيتها بأن تصبح جدة الآن، وهي ما زالت نشيطة، حتى أنها تستطيع أن تساعد ابنتها في تربية أولادها.
رغم التعب الذي ينتظرهن، وشبهة الكبر التي ستلحق بهن، فإننا ما إن نلتقي بإحدى الصديقات حتى تخبرنا بأنها سوف تصبح «تيتا»، وهيصات الفرح والتهاني ترتفع في ما بيننا. وهؤلاء اللواتي صرن أو سيصرن جدات يعشن هذه التجربة بفرح شديد. لا بل إنهن، كما نتندر به نحن اللواتي لم نصر جدات بعد ونشعر تجاههن بالغيرة، يدخلن في مرحلة من الجنون الواضح. ترى الواحدة منهن كما لو أنها هي بنفسها حققت إنجازاً عظيماً. علماً بأن معظمهن من المنتجات فكرياً واجتماعياً، ولا يعوزهن لا تعويض ولا طلب إنجاز.
حين أفكر في هذه النماذج أشعر بالكثير من التقدير للجدات اللواتي يساندن بناتهن في خياراتهن المهنية. فعمل الشابات ليس ترفاً، إنه التزام وواجب وضرورة، والأم الكبيرة، العاملة وغير العاملة، تدرك أن ابنتها أو كنتها هما استمرار لمشروع بدأته النساء منذ زمن، وهي جزء من ذلك المشروع، وعليها تحمل مسؤوليته. عطاء الأم، عنوان درس تعلمناه في المدرسة عندما كنا صغاراً وعلمتنا إياه الحياة عندما كبرنا.