الشمال ــ فريد بو فرنسيسيجلس أبو فخري على حجر قرب منزله الجبلي في حدشيت قضاء بشري، وفي حضنه فأس كبيرة يشحذها بحجر مبلول بالماء. أمامه، تكدست جذوع أشجار قطعها بمنشار تمهيداً لفتح كل قطعة إلى اثنتين بضربة فأس في وسطها. «أشد كثيراً على الشجرة بـ«التنقاية» بعد قطف ثمارها، فنحن أصلاً مضطرون كل سنة إلى قص الأغصان العالية، والزائدة في «عبّ» الشجرة لنستطيع قطاف الموسم. لهذا يطلع عندنا حطب كثير بطريقة طبيعية، ومن دون أن نقص شجراً إلا ما يبس، فنتدفأ عليه كل الشتوية، ولسنا بحاجة إلى شم رائحة المازوت المقرفة، وتحمّل سعره الغالي». حال أبو فخري حال معظم عائلات الجرد، التي شُغلت أخيراً بتجهيز وسائل التدفئة استعداداً للشتاء. وتنشط اليوم في الجرود حركة تنظيف المدافئ وتركيبها، إضافة الى عملية تشحيل الشجر، وخصوصاً الدوالي إلى أفنان صغيرة. ويشير أبو فخري إلى أن الاتجاه هذه السنة للتدفئة على الحطب حتى بعد انخفاض سعر المازوت. نظراً لأن المؤونة جرى بالفعل تخزينها في الصيف المنصرم خلال ارتفاع أسعار المحروقات الجنوني.
أما ريتا سيسوق التي تعيش مع أختها في سبعل، بقضاء زغرتا، على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر، فهي لا تستعمل عادة المازوت للتدفئة. والسبب ليس ارتفاع السعر، بل «الحطب صحي ويشغل الساهرين فيمر الوقت سريعاً»، فيما «نمضي السهرة ونحن نوقد المدفأة بالحطب اليابس الذي نكون قد جمعناه خلال الصيف من تشحيل بستان الزيتون». وتشير سيسوق إلى أن أسعار المازوت بدت مرتفعة جداً في الصيف، الأمر الذي هدد العائلات ذات المدخول المتوسط وما دون، لولا انخفاض الأسعار اليوم. ولكن ماذا عن الآن؟ تقول: «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب».
لابا مسكين بدوره، مزارع من بلدة حصرون يجمع الحطب سنوياً من تشحيل أغصان الأشجار المثمرة. يشير الرجل إلى أن «التدفئة على الحطب أفضل. فكل بيت تكفيه نقلتا «بيك آب» كل السنة بمليون ليرة، ونحن ننشرها ونقطعها، بينما المازوت يكلفنا سنوياً حوالى مليوني ليرة».
«منين بدنا نشتري المازوت، ننتظر المواسم ولا نقبض ثمنها إلا بشيكات مؤجلة»، تقول الأرملة أم ريمون، وهي تجلس على كرسي من قش أمام منزلها في بلدة حدشيت، قضاء بشري «من أسبوعين شغلنا الصوبيا على الحطب، فالجيران ساعدوني على جمع الحطب من البستان، أما الجيران الذين ينزلون إلى الساحل شتاءً، فيعطوننا حطب بساتينهم خصوصاً بعد التشحيل». إلّا أن جهاد ساميا من بلدة دوما البترونية، وهو صاحب منشرة خشب لصناعة الموبيليا، لا يحصل على حطبه من تشحيل الشجر بل من «بقايا المنشرة المحرزة» التي جعلته لا يفكر «يوماً في استعمال المازوت».
أما ما يشغل البال، فهو ما أكده صاحب معمل صناعة الصوبيات في بشري، من أن «الكثيرين في بشري وقضائها استبدلوا مدافئهم المازوت بالحطب هذا الصيف بسبب غلاء المحروقات وكلفة التدفئة، ومن لا يستطيع جمع الحطب يشتريه من بساتين الزيتون في الكورة التي تقتلع نتيجة حركة البناء التي تنشط هذه الفترة».