يشعر طلاب قسم الآثار في الفرع الرابع بأنّهم في وادٍ والمسؤولون في وادٍ آخر. فأعمال التنقيب التي تطلقها مديرية الآثار تقتصر في معظم الأحيان على بيروت دون البقاع. كذلك ينزعج الطلاب من التعليقات الساخرة من الاختصاص، فيما يحز في أنفسهم طمر معالم أثرية لأسباب استثمارية
هاني نعيم
تسأل كاتيا كلاّس، الطالبة في قسم الآثار في الجامعة اللبنانية ـــــ الفرع الرابع: «لماذا تتركز أعمال الحفر في بيروت؟ أليس في البقاع أماكن للتنقيب؟». «الواقع أنّ كل قرية في البقاع تضم مواقع أثرية لم يجر التنقيب فيها حتى الآن»، توضح فيفيان شويري، الأستاذة في علم الميتولوجيا. وتستغرب كيف تستقدم مديرية الآثار إلى المنطقة بعثات تنقيب من أوروبا، «بينما يضجّ لبنان بالآثاريّين من علماء وفنيّين وأكاديميين ومتخرجين». هنا أجمع الأساتذة والطلاب، على ضرورة توسيع مديريّة الآثار لأعمال التنقيب كي تشمل جميع المناطق اللبنانية. فالاهتمام بقلعة بعلبك وحدها كافٍ لتوظيف كل طلاب الفرع الرابع، حسب مدير القسم الدكتور نجم حداد.
يعترف الطلاب والأساتذة بأنّ علم الآثار تطبيقي ويعتمد على العمل الميداني في المواقع الأثريّة. وقد بدأ القسم منذ سنوات عدة، بالتعاون مع مديريّة الآثار، بإشراك نحو 7 طلاّب سنويّاً، للعمل في الحفريات في وسط بيروت. إلاّ أنّ الطلاّب ينزلون إلى الميدان في سنة التخرّج (السنة الرابعة).
لكنّ التوظيف والمشاركة في أعمال الحفر والتنقيب ليسا المشكلتين الوحيدتين اللتين يشكو منهما طلاب القسم، فالمعاناة تبدأ من النقص في الكادر التعليمي ولا تنتهي بعدم اهتمام الدولة، عبر جرف الآثار التي تعد امتداداً حيوياً للاختصاص.
قد تشفع للقسم العلاقة التفاعلية بين الجهاز التعليمي والطلاب، «لكن محاولة استقدام أساتذة من بيروت لتغطية النقص في عدد المحاضرين في الفرع الرابع ليست إجراءً عملياً»، تقول كاتيا كلاس. وتشرح «قد لا يتمكن هؤلاء الأساتذة من الحضور وخصوصاً حين تقفل الطرقات بسبب الثلوج». في المقابل، يتحدث طلاب من السنة الثالثة عن عدم كفاءة بعض الأساتذة.
أما بالنسبة إلى نظام LMD، الذي بدأ القسم بتطبيقه اعتباراً من العام الدراسي الحالي، فتصفه الإدارة بالمتطور الأكثر عدالةً للطلاب. فهو «ينهي حالة التلقين، ويخلق التفاعل بين الأستاذ والطالب»، على حد تعبير حداد. لكنّ المدير يُقرّ بمساوئ التطبيق في ظل غياب أرضيّة تنظيمية له. وقال: «كان يجب أن تنظم الجامعة دورات تأهيلية للكادر التعليمي».
تتفق الدكتورة فيفيان شويري مع حدّاد، وتقول «السياسيون يراهنون على فشل الجامعة اللبنانية، ويقودونها إلى الخصخصة». وتستدرك: «لن ندعهم يقومون بذلك».
«ثم إنّ من يريد إكمال دراساته العليا بعد الليسانس، عليه الانتقال للسكن في بيروت»، تشرح كلاّس. وتضيف بسخط «الكثيرون يريدون ذلك، ولكن لا يمكنهم القيام بذلك، فلماذا لا يوجد قسم للدراسات العليا هنا؟ الأفضليّة دائماً لبيروت».
ومع أنّ الرحلات العلمية إلى المواقع الأثرية ودول الجوار تندرج، حسب نظام الجامعة، ضمن البرنامج الأكاديمي، فإنّ الطلاب يتكفلون بدفع المصاريف على نفقتهم الخاصة، «وهذا ما حصل مع الطلاب العام الماضي حين شاركوا في رحلة إلى سوريا»، يقول صبحي عبد الله، الأستاذ في علم الآثار. ويشرح «أنّ المخصصات، القليلة جداً نسبةً إلى مخصصات الفرع الأول والثاني، تصلنا على أبواب الامتحانات». كذلك فإنّ الطلاب لا يقومون إلاّ نادراً برحلات داخلية للمواقع، لعدم توافر الإمكانات المادية لديهم.
على صعيد آخر، يبدو أنّ مشاكل طلاب القسم لا تقتصر على الناحية الأكاديمية، فغالباً ما يسخر البعض من الاختصاص بتعليقات مزعجة مثل «عندي آثار تحت البيت تعي نقّبيها، إنتو هبل».


خبريات «أثرية»

يملك الطلاّب والأساتذة «خبريات» لا تنتهي عن واقع الآثار والإهمال الذي تتعرّض له. يتحدثون عن العاملين في المواقع الأثريّة الذين يُوظّفون على أساس المحسوبيّات السياسيّة والطائفيّة، دون الأخذ في الاعتبار عنصر الكفاءة. يروي طلاب السنة الثانية حادثة زيارتهم إلى موقع نيحا الأثري، حيث قال لهم المسؤولون هناك، بسخرية «ماذا تفعلون هنا؟ تنظرون إلى حجارة؟». وحين كانت أستاذة الميتولوجيا فيفيان شويري تقوم بأعمال التنقيب في وسط بيروت، بواسطة فرشاة أسنان ناعمة، طمرت «جرافة سوليدير» المعبد، ببساطة. وتقول بغصّة «نشهد مثل هذه الأعمال كل يوم تقريباً». الطلاب يشاركونها الغصة أيضاً، فتعلّق الطالبة كاتيا كلاّس: «بيغلي دمنا بس نسمع بهيدي الأعمال».