نسمع دائماً أمهات يشتكين من تعلّق أطفالهنّ بأغراض رافقتهم منذ نعومة أظفارهم. وعادة لا تكترث الأم لهذا الأمر، إذ تعتبر أن التعلق بالأغراض وسيلة جيدة لتهدئة الطفل وتوقفه عن البكاء. لكن لماذا يتعلق الطفل بأغراض معينة؟ وهل هذا التعلق طبيعي أم هو يخفي خلفه مشاكل نفسية؟ وما هي الطريقة الأمثل لتقبل الطفل الابتعاد عنها؟
جانا رحال
تروي يمنى نصر الدين، والدة الطفلة ماريا، قصة ابنتها التي تعلقت بأشياء مختلفة منذ ولادتها، وهي الآن تبلغ من العمر 5 سنوات. في سنتها الأولى، كان لدى الطفلة غطاء أطلقت عليه اسم «ديا» وهو ناعم الملمس جداً، فكانت تضعه على أنفها، تنام وتظل تفرك وجهها وأنفها تحديداً به لمدة طويلة. وتعتبر نصر الدين أن الأغرب هو تعلق ابنتها بالمحارم المعطرة في مرحلة لاحقة «كانت المحارم المعطرة تقلقني جداً، فماريا كانت تعشق رائحتها». خوف الأم من تضرر الابنة من رائحة المحارم القوية دفعها إلى استشارة طبيب أطفال فطمأنها، وطلب منها أن تبحث عن وسيلة لتتلهى الصغيرة عن هذه المحارم، ورأى أن تعلق ماريا بأغراض معينة ليس بالأمر الخطير.
وتكمل نصر الدين أن ابنتها تركت المحارم المعطرة، وتعلقت بلعبة سمّتها «آبيي» (abeille، أي نحلة بالعربية)، وهي تأخذها معها أينما ذهبت في النزهات وعند الأقارب، كما كانت تأخذها معها إلى المدرسة في السنة الدراسية الأولى، ثم اعتادت بطلب من الإدارة ألا تحمل لعبتها إلى المدرسة.



تروي ناصر الدين أمثلة أو طرائف عن ماريا ولعبتها، ففي إحدى المرات اضطرت الأم إلى شراء لعبة مشابهة للأولى، بل هي نسخة طبق الأصل عنها، وذلك لأن ماريا التي تركت «آبيي» في التاكسي لم تتوقف عن السؤال عنها، بل إن الصغيرة أُصيبت بنوبة من البكاء والصراخ، وكانت تسأل ماذا تفعل آبيي بمفردها، وهل وجدها أحد ما؟ الطريف أن ماريا التي كانت تبلغ من العمر حينها 3 سنوات أدركت فوراً أن آبيي الجديدة هي ليست لعبتها التي كانت تملكها من قبل.
ترى المعالجة النفسية ريتا ماضي كرم أنه لا يوجد سبب واضح ومعين لتعلق الأطفال بأشياء كالغطاء أو لعبة أو شيء آخر، فكل طفل يعتاد أغراضاً تتركها الأم بقربه.
التعلق بالأشياء قد يأتي كـ«بديل عاطفي» عن الأم، فيشعر الطفل أنها بجانبه، هكذا إذ يستحيل وجود الأم لـ24 ساعة يومياً بقرب الطفل فإنه يستعيض عن ذلك بالتعلق بغرض ما. وتؤكد كرم أن التعلق بـ«اللهاية» يختلف عن التعلق بأغراض أخرى.
كما إن تعلق الطفل بأغراض أمه يُعرف بالـ«تعلق النفسي»، أي أن ذلك يكون نابعاً من تعلّقه بالأم وفي محاولة لتمثل وجودها بقربه بصورة دائمة وتذكّر حنانها، أحياناً أخرى يكون هذا التعلق محاولة لتقليد الأم وملازمة أغراضها.
ليا دكروب (3 سنوات) تعلّقت بـ«اللهاية» تعلقاً شديداً وكذلك بغطاء النوم.
تقول والدتها مجدولين إن الغطاء معها منذ ولادتها، ولا ترضى بالابتعاد عنه.
وتضحك مجدولين على شكل الغطاء لأنه أصبح قديماً، لكن لا يسعها أن تفعل شيئاً حيال ذلك، فليا لا ترضى أبداً بالتخلي عنه. «وعندما تريد أن تنام يكون وجود اللهاية والغطاء معاً ضرورياً وإلا انفجرت بالبكاء».
وإذا صادف وجود الأسرة خارج المنزل فلا تنام الصغيرة وتروح تصرخ «بدي التاتين»، فيضطر الأهل إلى العودة بسرعة إلى المنزل.
وفي ما يخص «اللهاية» تدعو كرم الأهل لمنع أولادهم من استخدامها عندما يبلغون من العمر سنة أو سنة ونصف سنة كحد أقصى. لأن الاستمرار باستخدامها سوف يؤثر على الطفل لاحقاً، وتعلق كرم أن التدخين هو إحدى نتائج هذه التأثيرات السلبية التي نراها كثيراً والتي تبدأ مع المراهقة.
وتشدد كرم على دور الأم في مساعدة الطفل في الابتعاد عن الأشياء التي يتعلق بها، وعليها البدء بتبديل الغرض تدريجاً، ومن ثم تخفيه عن الطفل من وقت إلى آخر. ودعت كرم الأم في هذه الحالة إلى محاولة إشغال الطفل بأمور مسلية تجعله ينسى أغراضه، وعليها أن تتكلم معه كثيراً لأن وجود الأم في حياة الطفل مهم جداً، وهذا لا يعني أن تبقى إلى جانبه طوال الليل والنهار، لكنها عند وجودها يجب أن تؤثر به وتبرز وجودها.
تجهل هبة ماجد كيفية التعامل مع ابنها آدم (4 سنوات)، فهو لا يقبل أبداً التخلي عن لعبته المفضلة «لقد عانيت كثيراً لجعله يتركها في البيت حين يذهب إلى المدرسة»، ولكنها تقرّ بأن هذه اللعبة «وسيلة جيدة لإسكاته» فهي لا تتحمل بكاءه. تعرف والدة آدم أن ما تفعله خطأ كبير، فهي لا تستطيع منع تعلق ولدها بهذه اللعبة، لكنها تجهل ما يجب عمله من أجله. أما ليلى (4 سنوات) فتعترف والدتها منى بأنها تستخدم تعلّقها باللهاية وسيلة لإسكاتها و«عدم سماع صوتها، لا تسكت ليلى إلا بوجود اللهاية، وأنا لا أستطيع توقيفها عن استخدامها»، علماً بأن والدة ليلى حاولت مرة أو اثنتين التخلص من اللهاية لكن لم تنجح فاستسلمت.
في حالة ليلى، تدعو كرم الأمهات إلى تكرار المحاولة مرات عدة دون يأس «لأن كل شيء يتحسن مع الوقت»، وتؤكد أنه يجدر بالأمهات استشارة اختصاصي أطفال للتعرف على الخطوات التي يجب أن تطبقها ليتخلّى الابن عمّا تعلّق به.


في كتابه «أسرار النساء» يروي الباحث والمعالج النفسي السويسري برتران كرامير، قصص ثلاث فتيات صغيرات عالجهنّ من صعوبات عديدة كالأرق، وهو يحكي كيف كانت مشاكلهنّ انعكاساً لقلق أمهاتهنّ. وفي هذا الإطار يرى أن إحداهنّ أبدت تعلّقاً بأغراض كانت أمها تعشقها عندما كانت في مثل سنّها