بيسان طيشهدت بيروت الأسبوع الماضي دورة جديدة من معرض «ترميوم»، شيء من الصخب يرافق هذا المعرض، كأنه الموعد الأهم في «أجندة» البلاد «التكنولوجية»، شركات لبنانية وعالمية تحضر إلى بيال، تتجاور في أجنحة يحتضنها المبنى الذي صار أشهر مستضيف لمختلف المعارض في العاصمة. «ترميوم» فرصة للتعرف إلى شركات لبنانية جديدة، وبالتالي إلى تجارب شابة في هذا الميدان، ولكن المتجول فيه لا بد من أن يلح عليه السؤال عن معنى «معرض للتكنولوجيا». ما الذي يقدمه لنا «ترميوم»؟ أي نوع من المعارض هو؟ وماذا عنه مقارنة بمعارض تستضيفها دول عربية أخرى؟
المتابع لشؤون التكنولوجيا والتطورات التي تشهدها في العالم لا بد من أن يُصاب بخيبة أمل في المعرض البيروتي، فعلى رغم أن للشركات العالمية الكبيرة وكلاء في لبنان، إلاّ أننا لا نقع على ما يشفي «عطشنا» إلى التعرف على إنتاجات جديدة، أليست هذه إحدى مهمات المعارض التي تروّج لنفسها باعتبارها «كبيرة» أو «رائدة»؟
أما النقاشات فهي أيضاً شبه غائبة عن المعرض، ما عدا لقاءً
واحداً تحوّل إلى نقاش تجاري، بدل البحث في موقع لبنان، في الوجهة التي اتخذها «العمل التكنولوجي» فيه، في القوانين أو التكنولوجيا البديلة لما تنتجه الشركات الكبرى، وما إلى ذلك من عشرات بل مئات العناوين التي تحاصر حياتنا اليومية.
هذه النقاشات تغيب في الغالب عن كل المعارض العربية، نحن في منطقة تنحاز إلى المنطق التسويقي دون أي نقاش لما تنتجه الشركات الكبرى، ولكيفية استخدامنا للتكنولوجيا، ورغم ذلك يبدو المعرض البيروتي «قزماً» إذا ما قورن بمعرض «جايتكس» ـــ دبي أو بمعارض أخرى في الدول العربية، على رغم كل الشوائب التي تجعل من تلك المعارض مواعيد احتفالية دون أي تدقيق في مضمونها وجديدها وما إلى ذلك.
التجوال في «ترميوم» يجعل المرء يفكر مرة جديدة بموقع بيروت على خارطة العالم التكنولوجي، كأن هذه العاصمة استسلمت بشكل شبه نهائي لدورها كمستهلك لأي منتوج يصلها، مهما كانت جودته أو حداثته، وكمصدّرٍ للكفاءات التي تتنوع وجهاتها، فيتجه البعض إلى دول منتجة للتكنولوجيا ومُجددة، فيها مساحة لاحتضان المبدعين وأصحاب العقول القادرة على الخلق، أما الآخرون فيذهبون إلى دول أخرى هي بدورها مستهلكة لما ينتجه الغرب، ولكنها أكثر قدرة من بيروت على احتضان النشاط التسويقي والاستهلاكي.
ثمة ضجيج كبير يرافق معرض «ترميوم»، من لا يعرفه يعتقد أنه الموعد الأبرز للعارفين بخبايا التكنولوجيا وصعابها، إنه ضجيج ينسحب إلى الداخل، تتجول فيه فتصمّ الموسيقى والصخب أذنيك، تدقق في المعروضات فلا تلقى إلاّ إعلانات تسويقية قرأت عنها قبل فترة طويلة ـــ في مقاييس الزمن التكنولوجي ـــ الأسوأ أنك تشعر بأن بيروت عاجزة عن القيام بدور مختلف، عجز تكبله القوانين أحياناً، وخطابات المديح في فوائد الهجرة، وثقافة سياسية تريد لهذا البلد أن يضطلع بدور خدماتي كما عرفه قبل الحرب الأهلية، دون الالتفات إلى مراكز خدماتية أخرى نهضت في الشرق وسرقت الأضواء من بيروت، وغنمت في هذا المجال القطاع التكنولوجي.