يلاحظ سكان ضاحية بيروت الجنوبيّة، وببهجة عارمة، تحسنّاً كبيراً في ساعات التغذية بالتيار الكهربائي المخصص لهم. فقد ارتفع المعدّل من 10 ساعات كحد أقصى يومياً إلى معدّل يراوح من 12 إلى 18 ساعة. وسكان الضاحية مغتبطون. من التجار إلى تلاميذ الجامعات. لكنهم وإن صنّفوا هذا التحسّن في خانة المفاجآت السارة، فإنهم لا يتوقعون أن يطول، ما يجعلهم للمرة الأولى حذرين في «التعليق»
محمد محسن
لا يحتاج المرء إلى المكوث طويلاً في الضاحية الجنوبية، كي يلاحظ زيادة ساعات التغذية في التيار الكهربائي. يمكنه أن يتأكد من صحة هذا الأمر عبر الإنترنت. طبعاً ليس عبر موقع إلكتروني، يشير إلى المناطق «المنيرة»، بل بملاحظة أن جميع من يعرفهم في أحياء الضاحية على اختلافها، موجودون بشكلٍ دائم في غرف الدردشة. هذا في الليل، أما في النهار، فالكثير من أصحاب المصالح الذين اشتكوا سابقاً من انقطاع الكهرباء، راضون عن أحوال «التيار» و«وزير التيار». ويبرّر كثيرون من أهالي الضاحية فرحتهم بوصول الكهرباء، على قاعدة أن مجيئها متأخرّةً، أفضل بكثير من عدم وصولها أبداً، وخصوصاً في ساعات الليل، الذي يطول في الشتاء.
فلنبدأ من جنوب الضاحية، وتحديداً من حيّ السلّم وتحويطة الغدير. إذ إن هاتين المنطقتين تعانيان اكتظاظاً سكانّياً، عبّر عن نقمته أيام التقنين القاسي بالنزول إلى الشارع. لكن المزاج تغيّر هذه المرّة. واللافت أن أهالي المنطقة يرضون بالقليل من الخدمات، وهم مستعدّون لتحمّل أربع أو ست ساعات من الانقطاع اليومي «أفضل بكثير من الحالة في رمضان (الماضي)، حيث حُرمنا الكهرباء في أكثر الأوقات» كما يقول محمد سيف الدين، أحد الجزّارين في منطقة تحويطة الغدير. أمّا أهالي حيّ السلّم، فيرون أن أيّ زيادة في ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، هي أمر غريب عن المنطقة، لكنّه بدأ يطلّ بوجهه الجميل مؤخراً.
تتحسّن حالة الكهرباء في حيّ الجامعة، القريب من مجمّع الحدث الجامعي بشكلٍ كبير، إذ يتحدّث صافي رمضان رئيس لجنة إحدى البنايات في هذا الحي، عن ست عشرة ساعة تغذية يومياً تقريباً، مؤكداً «أننا لم نعتدها في السابق»، وخصوصاً أنّ حضور الكهرباء كان غائباً إلى حدٍّ بعيد في تلك المنطقة. يعطي رمضان نسبة 60 % في معرض حديثه عن فارق ساعات التغذية بين اليوم والأمس القريب. يضحك قليلاً، ثم يشير إلى أن أهالي المنطقة عاشوا فرحة يومي السبت والأحد الماضيين، إذ «إن الكهرباء لم تنقطع عنّا، أكثر من ساعتين».
ليس بعيداً عن حيّ الجامعة، وفي ظاهرة تعكس سرعة تكيّف أهالي المنطقة مع حضور الخدمات، أزال أحد سكان «مدينة العباس» الموجودة على حدود المطار «خط التعليق الذي وضعتُه قبل فترة، بسبب الحر وانقطاع الكهرباء». ويشير صاحب هذا الخط إلى «أننا لا نعترض لمجرد رفع صوتنا». يصمت قليلاً، يبعث ربطة الخبز مع ابنه إلى المنزل، ويتابع الحديث «أهالي المنطقة يتعاملون باحترام مع الدولة، ولا ينكرون خدماتها عندما تصل بانتظام».
في برج البراجنة، يشير حسن حاطوم صاحب أحد دكاكين حي عين السكّة، إلى تحسّن شهدته هذه المنطقة أيضاً، إذ «خف التقنين، والكهربا ما بتنقطع أكثر من ست ساعات بالنهار». تظهر ابتسامة عريضة على وجهه، لكنه سرعان ما يكتمها متخوفاً، بلهجته البرجاوية «بلا نق يا إبني، ما صدّقنا أيمتا صارت الكهربا تجي مظبوط». نخرج من برج البراجنة، ونتوجّه نحو طريق المطار ومحيطها. هناك حيث عانى خط المطار ـ وما زال ـ مشكلة التعليق و«الاستعارة». يتحدّث طالب المحاسبة هيثم مكّي بكلّ ثقة عن وزير الكهرباء آلان طابوريان «الوزير معنا بالمعارضة»، لكنّه سرعان ما يناقض نفسه حين يشير إلى أنّ هذا الارتفاع في نسبة التغذية «يعود بالدرجة الأولى، إلى انتهاء موسم السياحة والاصطياف». لكنه لا ينتظر طويلاً حتى يعبّر عن فرحته لأنّه لن ينام «طب وبدون مروحة كما في الأيام السابقة»، والأهم من ذلك كلّه بالنسبة إلى هيثم، هو أنّه أعاد وصل خط الإنترنت إلى منزله، فمن الآن هو لن يدفع بدل اشتراك، كان استعماله محدوداً بعدد ساعات الكهرباء القليلة. يروي أهالي المنطقة بعض الأمور عن حالة الكهرباء هذه الأيام، فيشيرون إلى أن قرب بيوتهم من مطار بيروت الدولي، هو الذي منع غياب الكهرباء لأكثر من أربع ساعات يومياً. أمّا العارفون، فيردّون سبب التحسّن إلى فصلي الخريف والربيع، حيث تغيب السياحة، ويغيب الطلب على المكيّفات أو المدافئ الكهربائية.
ينسحب أمر الكهرباء «القويّة» على مناطق أخرى في الضاحية الجنوبية. إذ إنّ الشياح والغبيري وحارة حريك مناطق استفادت هي الأخرى من الطفرة الكهربائية حالياً.
ولكن أين مولدات الاشتراك من كل هذا؟ في التفاصيل أنّ أيّاً من أصحاب المولدات في الضاحية الجنوبية، لم يخفض حتى الآن تعرفة الاشتراك الشهري، رغم مطالبة المشتركين. يبرّر الكثير منهم هذا المطلب بوجود كهرباء الدولة بشكلٍ أكثر كثافةً، الأمر الذي أراح المولدات من عنائها اليومي. وكذلك فقد اعتبروا انخفاض أسعار المحروقات عالمياً وبالتالي محلياً، نهاية لذريعة كان يختبئ أصحاب المولدات خلف إصبعها. أما بالنسبة إلى وزارة الطاقة، فحتى الآن لم توقّع اتفاق استجرار الطاقة العتيد من مصر، الذي إذا ما جرى توقيعه، سيؤمّن للبنان كمية تراوح بين 150 و350 ميغاواطاً، وإذا ما زيدت على ما يستجرّه من سوريا، فستؤمن ما نسبته 85 في المئة تقريباً من متوسط الطلب المحلي على الكهرباء. بانتظار ذلك، اللبنانيون على خط الانتظار.