لا تفارق محمود حقيبة الظهر الصغيرة التي تمثّل جزءاً أساسياً من حياته. يصطحبها في مشاويره اليومية، من المنزل إلى العمل ومن ثم إلى الجامعة. تحتوي هذه الحقيبة على أهم ما يستخدمه محمود في يومه: كتاب لمهدي عامل، منشورات حزبية، كوفية، وقبعة (Beret) إلى جانب دفاتر ومقررات الجامعة. يتغير شكل محمود كلياً بعد خروجه من المنزل بفضل الحقيبة، فيرتدي الكوفية والقبعة ويتحول إلى شاب يساري، يوزع مناشير وبيانات، ويشارك في كل النشاطات المطلبية والحزبية المختلفة.لكن هذا الجانب من حياة محمود نصف سري. إذ إن أهله لا يعرفون بحياته الثانية خارج المنزل. فالتزامهم الديني السلفي، يعميهم عن تقبّل ديموقراطية اختيار توجه غير إسلامي كما يقول الشاب الجامعي. «إذا رآني أهلي بهذا الشكل فلن يعجبهم الأمر. حتى الكوفية لا تعجبهم، رغم حديثهم اليومي عن فلسطين واغتصاب أرضها».
كان محمود قبل وصوله إلى الجامعة، يقضي وقت فراغه مع الأصدقاء الذين يوافق عليهم الأهل ويوافقهم على آرائهم دون اقتناعه الكبير بها. يرافق والده غصباً إلى المسجد ظهر كل نهار جمعة، ويتذكر أن يصلي الفروض اليومية عندما يزجره والده لإهماله الواجب الديني.
كان في السابعة عشرة من عمره عندما سمع صدفة برنامجاً إذاعياً على إحدى الإذاعات التي لم يكن يعرف بوجودها مسبّقاً. «إذاعة صوت الشعب غيّرت نظرتي إلى الأمور»، يؤكد ابن الثانية والعشرين. أصبحت إذاعته المفضلة وباتت نظرته إلى السياسة تختلف، واكتشف وجود قوى سياسية وشباب مثله يفكرون خارج الاصطفافات الطائفية والمذهبية. ولكنه لم يجرؤ على الانتساب إلى الحزب الشيوعي إلا بعد سنة من «اعتناقه الشيوعية» خوفاً من أهله. وهو حتى الآن، رغم الحرية المنقوصة التي يعيشها، يخاف من رد فعل أهله على الموضوع. إذ لا أحد في العائلة سيوافق على توجهاته.
«إذا عرف أهلي فسيطردونني خارج المنزل أو يقتلونني غسلاً للعار»، يقول الشاب ضاحكاً. ثم تختفي الابتسامة عن وجهه ويكرر هامساً «فعلاً سيقتلونني...».

ديما...