التصابي مرض أم تعبير عن حرية الظهور بمظهر الشباب الدائم؟ ولماذا تُتهم النساء دائماً بالتصابي، ولا تُطلق هذه الصفة على الرجال؟ والأهم من ذلك لماذا يستميت البعض لإنكار أعمارهم؟ هل الأمر يتعلق بالمظهر أم أنه محاولات لتعويض العلاقة الزوجية المستقرة وجمال الصبا وحيويته... أم أن للأمر وجوهاً أخرى؟

زينب حاوي
شفتان مطليّتان بأحمر شفاه «transparent» ولكنه فاقع، بهذا اللون تخفي حنان بعضاً من الأسنان المتخلخلة، أما شعرها الأصفر والمُسرّح دائماً، فيتغير لونه كل شهر، صاحبته تصر بدلال «الكل يسأل شو عاملة؟ أنا أصلاً شعري أشقر». حنان «ابنة الخمسين عاماً» كما تقول، رغم أن حفيدتها تبلغ من العمر 28 عاماً، تردد «لا يصدّق الناس أنني جدة، ويعتقدون أن كنتي هي رفيقتي». تستقبلك حنان دائماً على وقع موسيقى الروك، وتتباهى أمام زائراتها بالـ«ثياب العرايسي» التي تشتريها. تدّعي حنان أن «العمر لا يعني لي شيئاً، أصلاً ما بفكر فيه»، وتقول إنها حافظت على جمالها لأنها تنسى كل المشاكل عند خروجها من المنزل .
من جهتها، تصف هلا قمورية (51 عاماً) المرحلة التي تعيشها اليوم بفخر «لأنه لا فرق في العمر بينها وبين أولادها الشباب، الغرباء يعتقدون أنني شقيقتهم لا والدتهم».
حنان وهلا نموذجان لما يصنفه أبناء مجتمعنا اللبناني والعربي بـ «المرأة المتصابية»، والحكم ينطلق من الزي، الذي تعتمده المرأة أو الطلّة، ومن بعض التصرفات التي تهدف من خلالها إلى الظهور بعمر المراهقة أو الشباب، فيما هي تخطت سن الأربعين أو الخمسين أو حتى الستين عاماً. يعرّف أستاذ علم النفس الاجتماعي محمد أيوب شحيمي التصابي بأنه العودة إلى مرحلة الصبا، وذلك من خلال «تصرفات وسلوكيات غالباً ما تكون مَرضية وموجودة عند الجنسين، وهي تكاد تكون عند الرجال أكثر خطورة وشذوذاً». هذه التصرفات تأتي في بعض الأحيان كتعويض «في غير مكانه عما فات»، أي تعويض لمراحل لم تشهد إشباع الرغبات والحاجات الجسدية والنفسية والاجتماعية، وقد تكون «تصرفات التصابي» ناتجة من خلل في منطقة في الدماغ مسؤولة عن التصرفات اللاواعية، وتدفع إلى التشابه مع من هم أصغر سناً. ويمكن «البتر» أيضاً أن يدفع إلى «التصابي»، ويُقصد بالبتر التغيّير الاجتماعي المفاجئ، كالانتقال من الفقر المدقع إلى الغنى والثراء، وللنسوة اللواتي يعانين القهر من أزواجهن حصة من هذا التصنيف، فبحسب شحيمي تلجأ بعض هؤلاء النساء إلى التمظهر بمراحل سابقة أي إلى التصابي.



في المقابل، لا ينفي شحيمي الطابع الإيجابي لعملية التصابي «فالعودة إلى مراحل عمرية سابقة متفائلة مليئة بالمرح والعزيمة هي أمر جيد»، وقد تساعد الرجل والمرأة على مقاومة سلبيات الشيخوخة.
تصف سمر (52عاماً) علاقتها بالمرآة بالضرورية، فمن خلالها ترى نفسها «جميلة وفي عز الصبا». عانت سمر في الفترة الأولى من زواجها ضروباً من أنواع القهر، فعينا زوجها «تبصبصان» دائماً على أخريات، إذ كانت له علاقات متعددة خارج المؤسسة الزوجية، وقد أهملها طويلاً ولم يلحظ أي تغيير يطرأ عليها، لم يهتمّ يوماً بتسريحة شعرها أو بثيابها الجديدة، واجهت سمر إهمال زوجها بالصبر والدعاء «الرجل آخر مسيرو لبيته» . تلقي اختصاصية علم النفس الدكتورة نورما صعب اللوم على المجتمع، الذي يطلب من المرأة الاعتناء بمظهرها دائماً، ويبرر للرجل تقدمه في العمر «ويحمي» طيشه، فالرجل الأربعيني يحق له مثلاً الزواج بامرأة عشرينية، وعلى المرأة أن تؤدّي دائماً دور العشيقة أمام زوجها كي لا تخسره.
الاهتمام بالمظهر أصبح من البديهيات، وخاصة مع الضخ الإعلامي والإعلاني لصورة الأم الشابة، فأم «مهنّد» مثلاً في المسلسل التركي «نور» تصلح لأن تكون فتاة إعلان، وتُعدّ الممثلة صوفيا لورين «أيقونة الجمال» العالمي، لأنها تبدو صبية جميلة.
حنان تشتري كل جديد من المساحيق ومن أغلى الماركات، تستخدمها ليل نهار، وتشجع عمليات التجميل، وستخضع لعملية قريباً في «مكان ما» في وجهها.
هلا قمورية هي أيضاً ترغب في الخضوع لعملية تجميل «ممكن تحت العيون لإزالة التجاعيد».
يعزو طبيب التجميل والترميم عبد الأمير فضل الله سبب تهافت المتقدمات في السن على عمليات التجميل إلى «تغيّر الزمن، وانخفاض التكلفة»، ويقول إن الطلب مرتفع على عمليات تجميل الأنف والشفاه والأذنين، إضافةً إلى الصدر والبطن، ويضيف «الوجه مرآة للنفس، فتصحيح بعض العيوب يريح النفسية». وإذ يؤكد حق المرأة المتقدمة في السن بأن تكون جميلة فإنه يحذر «من دخولها في حلقة مفرغة عبر الخضوع لعملية تلو الأخرى، فهي بذلك تستسلم لـ «وسوسة» مَرضية».
«التصابي» قد يتحول إلى حالة مَرضية، ويظهر ذلك من خلال الانعكسات السلبية الحادة على المتصابي المعنيّ، حيث يلفت شحيمي إلى أن عدم تكيّف المتصابي مع «المحيط الاجتماعي» يمثّل عبئاً عليه. وغالباً ما يدخل المتصابي في منافسة مع من هم أصغر سناً منه أو مع أولاده، أو تقوم المرأة المتصابية بإعلان «حلول» دورتها الشهرية، رغم أنها اقتربت من سن اليأس.
ختاماً، وبعيداً عن الأحكام المجتمعية والأعراف التي تدين المرأة الراغبة في الحفاظ على مظهر سن الشباب، فإن هذه الرغبة تمثّل جزءاً من الحرية الشخصية، لكنها في الوقت نفسه قد تعكس رغبة في حالة من الثبات في نقطة معينة، وفي هذا الإطار يتحدّث المتخصّصون عن ثبات النضج النفسي عند حاجز معين، فيما تخط سنوات العمر ملامحها على جسد المتصابي الذي يبدو كمن يخسر غرضاً ثميناً، يستميت للحفاظ عليه لكنه كالماء يتسلّل من بين يديه، وهنا يجب استشارة معالج نفسي للتعرف إلى أسباب نكران التقدم في العمر.


الجراحة التجميلية قد تعيد بعض الشباب، إنها من الوسائل الشائعة لترميم الخطوط والتجاعيد التي حفرها الزمن في وجوهنا وأجسادنا. بعض المتقدمات في السن حين يخضعن لعمليات تجميل يكرّرن عبارات تؤكد أن جمالهن «طبيعي»، ومن العبارات التي يردّدنها بعد العملية «حكيم ما بدنا نوّقف هون»