لا تختلف المدرسة الرسمية في بلدة المشرفة البقاعية عن مثيلاتها في البلدات والمدن اللبنانية الأخرى. إذ تعاني الحرمان الذي يصيب المرافق العامة كلها ما جعلها عاجزة عن الحصول على مبنى مستقل لها. فتتشارك المدرسة والمسجد المبنى نفسه ويلعب تلامذتها في الشارع بين السيارات
البقاع ـ نقولا أبو رجيلي
هل يمكن تخيّل مدرسة تقع في الطبقة السفلى لمسجد؟ ربما إذا كانت مدرسة دينية، ولكن هذه ليست حال المدرسة الرسمية في بلدة المشرفة الواقعة في قضاء زحلة، حيث تقع مدرسة المشرفة الرسمية المختلطة في الطبقة السفلى لمسجد البلدة. تعتمد المدرسة اللغتين العربية والإنكليزية وتمتد على مساحة نحو 250 متراً مربّعاً.
تضم المدرسة ثماني غرف وستة حمامات. وقد قسمّت الغرف على النحو الآتي: ست منها تُستخدم لتدريس المراحل التعليمية من صف الروضة حتى الصف السادس الأساسي، ويفصل بينها ممشى على طول المبنى. كما تُستخدم إحدى الغرف الصغيرة مطبخاً ومستودعاً، فيما تبقى غرفة أخيرة متعددة الاستعمالات، إذ إنّها في الوقت نفسه مكتب للمدير وغرفة معلمين ومستودع لتوضيب الكتب والمستلزمات المدرسية المختلفة.
يفتقر مبنى المدرسة إلى أي مكان يجمع التلامذة في الاستراحة، إلى جانب عدم وجود ملعب لهذه الغاية، ما يجعل التلاميذ يقضون فرصتهم اليومية في الشارع خارج المبنى. وهم بذلك معرّضون دائماً للخطر جرّاء مرور السيارات، كما أنّه لا توجد غرفة للإشراف الصحي، علماً أنّه جرى تخصيص المدرسة ببعض المعدات الطبية.
يتألف الطاقم التعليمي في مدرسة المشرفة من المدير والناظرة، وهما في الملاك، وعشرة مدرسين متعاقدين. ويراوح عدد التلامذة المسجلين سنوياً بين 140 و150. وهذا يعود إلى مزاجية بعض الأهالي الذين يتأخرون بتسجيل أولادهم لحين الانتهاء من أعمالهم الزراعية. وإذا كانت حالة مبنى المدرسة جيدة نسبياً من الخارج والداخل على السواء، فإنّ أدراج الباطون المسلح التي يستخدمها المصلّون للصعود إلى قاعة الجامع التي تحتل كامل مساحة الطبقة العليا، تحجب الرؤية عن واجهة المدرسة الغربية. ويبقى أنّ كل ما يوحي بوجود مركز تعليمي في المكان، هو لوحة حديدية صغيرة الحجم في الحائط الخارجي فوق المدخل الرئيسي للمبنى تحمل اسم المدرسة.
شرح رئيس لجنة الأهل في المدرسة عبد الكريم المولى، مراحل تأسيس المدرسة منذ إنشائها عام 1997 بعد جهد مشترك وتعاون بين الأهالي والجهات الرسمية، وبعض السياسين النافذين في المنطقة في تلك المرحلة. وأثنى المولى على الجهود التي بذلها مدير المدرسة وطاقمه التعليمي، من جميع النواحي، أهمها تحسين وضع المبنى، إلى جانب حث بعض الأهالي على تسجيل أولادهم في المدرسة، من خلال زيارات منزلية متكررة يقوم بها بداية كل عام دراسي.
ولفت المولى إلى أنّ الأوضاع المادية السيئة لغالبية الأهالي لا تسمح لهم بتحمّل نفقات التعليم في المدارس الرسمية والخاصة على السواء، مع ما يتطلب ذلك من مصاريف نقل وخلافه. لذا فإنّ معظم الأهالي يمتنعون عن إرسال أولادهم إلى مدارس مجاورة بعد نجاحهم في الصف السادس. حتى إنّه من الصعب أيضاً إقناع الميسورين من الأهالي بضرورة إكمال تعليم أولادهم خارج البلدة. وحسب رأيه فإنّ الحل الوحيد لتبديد الذرائع التي يختلقها الأهالي، هو بناء الدولة لمدرسة حديثة. وأبدى المولى استعداده لتقديم قطعة أرض يملكها تقع بجوار المسجد مساحتها 550 متراً مربعاً، هبةً من أجل هذه الغاية. ومن بين الحلول المؤقتة التي يسعى إليها المولى مع إدارة المدرسة وبعض أبناء العشيرة، إزالة الدرج الملاصق للمبنى، واستحداث أربع غرف إضافية، بهدف زيادة غرف التدريس لتصل قدرة المدرسة التعليمية إلى الصف التاسع الأساسي (البريفيه).


الإناث من الدراسة إلى قطف المحصول

تصل إلى مسامع أهالي بلدة المشرفة من وقت لآخر أحاديث كثيرة يتناقلها الطاقم التعليمي في مدرسة بلدتهم عنهم. إذ ينتقد الأساتذة في المدرسة عدم اكتراث الأهل كثيراً لمستقبل أولادهم، وخصوصاً الإناث منهم. إذ تحرم شريحة كبيرة منهن متابعة الدراسة في مدرسة البلدة أو خارجها أُسوة بالأولاد الذكور. ويتحدث الجميع عن نجاح إحدى الفتيات في الصف الرابع الأساسي، على رغم امتناع والدها عن تأمين الكتب اللازمة طوال العام الدراسي. ويبرر الأهالي عدم إرسال أولادهم إلى المدرسة لمساعدتهم في جني المحاصيل الزراعية، ومعاونتهم في رعاية الأغنام، وإلى ما هنالك من حجج غير مقنعة، تكون نتيجتها القضاء على مستقبل الأطفال.