اختبر نحو 600 تلميذ من المرحلة المتوسطة في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في النبطية محاكاة الفن المحترف وجهاً لوجه. وسجّلوا ملاحظات «بريئة» من معرض الفنان العراقي علي النشمي
كامل جابر
يتبادل التلامذة سريعاً نظرات خاطفة قبل أن تعانق عيونهم اللوحات في معرض الفنان العراقي علي النشمي. بعد لحظات انبهار، يحاولون قراءة نوع من الفنون لا يفقهون من مدرسته سوى اليسير من الخطوط الهندسية وبعض المشاهد التي تجسّد الحروب والمقاومة.
ينهمك التلامذة بتدوين ملاحظات «بريئة» قبل طرح الأسئلة على صاحب المحترف، فينتقلون من معاينة اللوحات ويصغون ويسألون. وقد جمع اللقاء بين النشاط الصفي واللاصفي عبر محاكاة الفنان العراقي والتدرب على زيارة المعارض وتهذيب نفوس التلامذة على ملامسة الفن وكيفية التعاطي معه، وسعى إلى تشجيع المواهب التي تتبدى خلال المراحل المدرسية ثم تذوب خارج الدعم والوقوف على التفاصيل الدقيقة والعملية التي يستخدمها الفنان لإبداع اللوحة، كما قالت رئيسة الثانوية الأم لوسي عاقلة.
بألوانها الحارة والباردة، بهرت لوحة قلعة صيدا البحرية التلميذ خليل أبو الحسن «وكوّنت لديّ فكرة كاملة عن اختيار الفنان لموضوعه، والفكرة؛ والتخطيط وأبعاد اللوحة، الخلفية؛ وعناصر اللوحة، ناس وطبيعة وجماد؛ والألوان والظل والضوء».
ويشعر التلميذ حيدر حيدر بأنّ «اللوحات قريبة مني، لأنني من الجنوب وهي تتناول الذاكرة الجنوبية وبعض العادات والأدوات التي كان يستخدمها أجدادنا، ومعظمها غير موجود اليوم، لقد ذكّرني المعرض بالضيعة العتيقة. ولأنني أهوى الرسم فقد انبهرت وشعرت أمام بعض اللوحات بأنني أقف أمام تصوير للطبيعة، ومن في اللوحة كأنّه سيخرج ويتحدث».
ويأتي التلميذ جوني كسرواني مع أهله للمرة الثانية إلى المعرض، «ليقفوا على الإحساس الذي غمرني وأنا أتحدث إلى فنان وجهاً لوجه، وأسأله عن لوحاته بما تنم عليه من تفاصيل دقيقة وواقعية، ولقد سجلت كل ما دار بيننا على دفتر المدرسة؛ وإن اختارت معلمة اللغة العربية تحليلاً للنص عن الرسم والرسام فسأكتب وأكتب وأكتب».
تحب فاطمة عبد الله الرسم كثيراً «لكنني شعرت بصعوبة أن يبدع الفنان لوحة، لكنني في الوقت عينه أصبح لدي حافز لمواصلة التعلم حتى الاحتراف؛ واللافت في هذا المعرض أن يكمل بعضه بعضاً، فكل اللوحات تأتي تحت عنوان الذاكرة الجنوبية وتراث الجدود ومقتنياتهم وزراعاتهم. يكفي أنني صرت أعرف بعد مواجهة الفنان، من أين سأبدأ بالرسم وكيف أنهي ما بدأته».
يسأل التلامذة الفنان النشمي عن اختياره موضوعاً يتعلق بجنوب لبنان وهو فنان عراقي، ليسمعوا رداً عن أن لا حدود أو مساحة محددة أمام الفنان، وخصوصاً الفنان العربي. مشيراً إلى أنّ كثيراً من الذاكرة العربية رسمها مستشرقون أتوا من مختلف دول العالم.
على دفاترهم سجّل التلامذة عبارات وجملاً عن فن الرسم، وتواقيع للفنان الرسام. على دفتره دوّن صادق جابر «رؤوس أقلام» عن «التوازن بتوزيع عناصر اللوحة، ونشر الألوان. الأهم أن يبدأ الرسام بمناطق الظل ويصعد إلى الضوء، أن يبدأ باستخدام الألوان الحارة ثم يخرج إلى الألوان الباردة؛ انسجام عناصر اللوحة لاكتمال الجو العام لها. ألا ننسى البعد الثالث في اللوحة، وهو العمق أو الخلفية».


تقف نور شميساني بمواجهة الفنان العراقي. تسأله عن الموهبة والألوان والظل والنور، وتتيح لعينيها وفكرها قراءة اللوحات عن كثب. تقول: «هي المرة الأولى التي أشاهد فيها معرضاً لفنان محترف؛ ظننت أولاً أنّ اللوحات صور حقيقية