أحد أبرز القضاة في لبنان مشتبه به بخطف مأمور التنفيذ في محكمة عاليه. التفتيش القضائي يحقق في الأمر لكن يبدو أن نسبة الضغوط ترتفع لطي الملفّ وإخفاء الحقيقة فهل ينجح وزير العدل في حماية استقلالية التحقيق؟
حسن عليق
لم تنتهِ بعد فصول الاعتداء على مأمور التنفيذ في محكمة عاليه نصر المهتار. ولا تزال القضية في عهدة وزير العدل والتفتيش القضائي والنيابة العامة العسكرية، ويجري التحقيق فيها بسريّة تامة. فالمشتبه في اختطافهم المساعد القضائي المهتار هم 3 رجال أمن يعملون مرافقين شخصيين لواحد من أبرز القضاة في لبنان، يحتل منصباً رفيعاً في القضاء العسكري. وبحسب رسالتين بعث بهما المهتار إلى وزير العدل والتفتيش القضائي، وُجِّهت أصابع الاتهام إلى القاضي الرفيع بإرسال الأمنيين الأربعة لإحضار المساعد القضائي إلى منزله، لأنه نفّذ قراراً قضائياً بحق أحد المقرّبين من القاضي، ولم يقبل بتدخّل الأخير.
تقول الرواية المستقاة من رسالتي المهتار ومن شكواه أمام النيابة العامة العسكرية: صدر قرار قضائي ضد 3 مدنيين، يقضي بختم محل تجاري يملكونه بالشمع الأحمر. طالب التنفيذ يُدعى حليم ج.، أما المنفذ ضدهم، فهم علي ك. وغسان ش. وهشام ش. حاول القاضي التوسّط لدى المساعد القضائي، لأن الأخيرين يمتّان إليه بصلة، إلا أن المساعد القضائي لم يكن يردّ على اتصالات القاضي. وبعد تنفيذ القرار القضائي، وبالتحديد صباح الثامن من آب 2008، وصل مأمور التنفيذ إلى مكان عمله في سرايا عاليه. كان ابنه الذي يبلغ عمره عشر سنوات برفقته. فوجئ بوجود مدنيين وعسكريين بانتظاره. تقدّم منه أحدهم وعرّف عن نفسه بأنه معاون أول في أحد الأجهزة الأمنية، وقال له: «تعا معنا إلى بيت الريّس (...)». أجابه المهتار أنه بحاجة إلى تحصيل إذن من القاضي الذي يرأس محكمته، إلا أن المعاون أول قال له: «بالحلال أو بالحرام بدك تجي معنا». اتصل المهتار بأحد القضاة الذي قال له: «لا تتحرّك من مكانك». لكن ما كان من المعاون أول إلا أن أخذ هاتف المساعد القضائي وأقفله. حاول بعض زملاء المهتار والمواطنين الموجودين في المحكمة التدخّل، إلا أن الأمنيين الذين كانوا يحملون أسلحتهم منعوهم من التدخل. أجبِر المهتار على ركوب سيارة من نوع BMW، وأجلِس بين اثنين من العسكريين المسلّحين، لتتوجه السيارة إلى منزل القاضي. سأل المساعدُ القضائي «الريّسَ» عما إذا كانت هناك مذكرة جلب بحقه، ثم أضاف: «هل ترضى أن أدخل منزلك بهذه الطريقة؟»، لم يجب القاضي عن سؤالَي المهتار، موجّهاً سؤالاً واحداً بالمقابل: «لماذا لم تردّ على اتصالاتي؟». المهتار أوضح للقاضي أنه «مأمور تنفيذ»، وأن دوره يقتصر على تنفيذ القرارات التي تصدرها السلطة القضائية. انتهى الحوار بين الرجلين بـ«الإفراج» عن المساعد القضائي وإعادته إلى مكان عمله.
المهتار أرسل كتاباً بما جرى إلى وزير العدل، وإلى التفتيش القضائي الذي وضع يده على الملف وبدأ تحقيقاته المسلكية فيه. من ناحية أخرى، تقدّم المهتار بشكوى مباشرة أمام النيابة العامة العسكرية ضد الأمنيين، وضد كل من يظهره التحقيق متدخلاً ومحرضاً، بجرم إهانته ومعاملته بالشدة وحجز حريته وخطفه بقوة السلاح، مع ما رافق ذلك من إساءة استعمال للسلطة الممنوحة لهم وخرق حرمة محكمة عاليه.
وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد قد أشار بتوقيف ثلاثة من العناصر الأمنيين لمدة ثلاثة أيام، ثم أمر بتركهم تمهيداً لاستكمال التحقيقات والادعاء على كل من يظهره التحقيق منهم متدخلاً أو مشاركاً في ما نسبه المهتار إليهم.
من ناحية أخرى، علمت «الأخبار» أن هيئة التفتيش القضائي لم تُنهِ تحقيقاتها في الملف بعد، رغم ما ذكره أحد القضاة من أن القضية قد حُفظت وأن اتهامات المهتار لا أساس لها من الصحة.
صدقية نظام العدالة على المحك مجدداً، وقد تكون هذه القضية من الأصعب بالنسبة إلى زملاء القاضي، إلا أن جلاء الحقيقة بالغ الأهمية بالنظر إلى صدقية القضاء.