إيلي شلهوبمشهد يبدو للوهلة الأولى غريباً عمّا ألفته العين خلال سنوات خلت: قمّة رباعية تُعقد في دمشق، لا في الرياض أو شرم الشيخ. المشاركون فيها بشار الأسد لا حسني مبارك. حمد بن خليفة آل ثاني لا عبد الله بن عبد العزيز. نيكولا ساركوزي لا جورج بوش. ومعهم اللاعب الجديد على الساحة الشرق أوسطية، رجب طيب أردوغان. وكأنه تبادل للمقاعد والأدوار أملته مجموعة من التطورات، بدأت بعدوان تموز وتكرّست في «أحداث أيار» وتبلورت في «اتفاق الدوحة» وتُوِّجت في قمتي باريس والاتحاد من أجل المتوسط. مسيرة شهدت هزيمة إسرائيلية وانكفاءً أميركياً وتحجيماً للسعودية ولمصر.
أربعة لاعبين تجمعهم ثلاث ميزات رئيسية: براغماتية بلا حدود تلامس أحياناً عتبة الماكيافيلية، ورغبة حثيثة في أداء أدوار كانت ممنوعة عليهم أو انتُزعت منهم، بالإضافة إلى وقوفهم جميعاً في تلك المنطقة الرمادية التي تجمعهم بطهران ولا تقطع مع تل أبيب، أو بالعكس.
علاقتهم ملتبسة بأميركا: عدو يطمح إلى «رعايتها»، وثلاثة حلفاء أولهم يريد حجز مكان له إلى جانبها، وثانيهم يحاول الحفاظ على علاقة متوازنة معها، وثالثهم يسعى لتعزيز أوراق اعتماده لديها. أما علاقتهم بعضهم ببعض فتحكمها الحاجة إلى الأسد القوي بحلفائه، وساركوزي بـ«صداقته» لإسرائيل وأميركا (بعد انقلابه على «عروبة» جاك شيراك و«ديغوليته»)، وإلى أردوغان القوي باعتداله وتوازنه، والشيخ حمد بتعدد ألوان «إمبراطوريته».
يلعبون على هامش انتخابات الرئاسة الأميركية. يترقّبون ما بعد إيهود أولمرت. لا شك في أن صراع القوقاز قد باغتهم. عيونهم باتت شاخصة على حركة الدب الروسي، التي فرضت على غالبيتهم إعادة النظر في حساباتهم.
تجمّعهم أشبه بملتقى عابر للمحاور. منتدى للعصف الفكري وتوجيه الرسائل في اتجاهات متعددة: أميركا وإيران وإسرائيل، الغائبة الحاضرة في كل نقاشاتهم. إنه أشبه بصمام أمان يستهدف الحيلولة دون تدحرج أزمات المنطقة إلى مواجهة عسكرية يخشون تداعياتها «الكارثية» عليهم وعلى مصالحهم.
لقاءاتهم ليست سوى جلسات للحوار والمناورة والابتزاز وتبادل الخدمات والأثمان. يحاولون خداع «صقور» واشنطن وجنرالات تل أبيب، عبر محاولة رسم ملامح تسوية إقليمية مؤجلة التطبيق، يدركون جميعا أن قرار البت بها ليس بأيديهم.